للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} ذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء).

قال القاسمي: ({يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} وهي صحف القرآن المطهرة من الخلط وحشو المدلّسين، فلهذا تنبعث منها أشعة الحق حتى يعرفه طالبوه ومنكروه معًا).

وقوله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}. أي: مستقيمة لا اعوجاج فيها، لاشتمالها على الحق الذي لا يختلط بباطل ولا يميل إليه، كقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢]. قال ابن زيد: ({فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}: مستقيمة معتدلة).

وأما مفهوم "الكتب" في الصحف ففيه أكثر من تأويل:

التأويل الأول: الصحف هي الكتب. والكتب التي في الصحف هي الأحكام. كما قال اللَّه عز وجل: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنّ} [المجادلة: ٢١]. بمعنى: حكم. وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: [واللَّه لأقضين بينكما بكتاب اللَّه]- ثم قضى بالرجم. ذكره القرطبي وقال: (وليس ذِكر الرجم مسطورًا في الكتاب، فالمعنى لأقضين بينكما بحكم اللَّه تعالى).

التأويل الثاني: الكتب التي في صحف القرآن ومصاحفه، هي ما صحّ من كتب الأولين كموسى وعيسى وغيرهما، مما حكاه اللَّه تعالى في كتابه عنهم، فإنه لم يأت منها إلا بما هو قوي سليم. ذكره القاسمي وقال: (وقد ترك حكاية ما لبّس فيه الملبّسون إلا أن يكون ذكره لبيان بطلانه. ولهذا لم يجد الجاحدون لرسالته عليه السلام من أهل الكتاب سبيلًا إلى إنكار الحق. وإنما فضلوا عليه سواه).

التأويل الثالث: الكتب هي السور المكتوبات -سور القرآن- فكل سورة من سور المصحف كتاب قويم. قال النسفي: ({فِيهَا} في الصحف {كُتُبٌ} مكتوبات {قَيِّمَةٌ} مستقيمة ناطقة بالحق والعدل). والتقدير: تحتوي صحف القرآن أو صحائفه وأوراق مصحفه على سور مكتوبات من القرآن هي كتب قيمة.

وقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}.

أي: ولم يكن تفرق أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا لاشتباه في الأمر، بل كان بعد وضوح الحق وظهور الصواب، ثم بعث اللَّه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- فآمن به بعضهم وكفر آخرون، وكان ينبغي أن يكونوا أمة واحدة في الإيمان باللَّه واتباع رسوله الذي جاءهم بالحق مصدقًا لما معهم، ولكن تحاكم أكثرهم إلى الهوى والشهوات.

وقد حذّر اللَّه أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوقوع في ما وقع به أهل الكتاب فقال جل ثناؤه:

<<  <  ج: ص:  >  >>