قال ابن إسحاق:(ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثم خرجوا إلى رؤوس الجبال).
فلما أصبح أبرهة تهيأ وهيأ فيله "محمودًا" وجيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة، أقبل نفيل بن حبيب وأخذ بأذن الفيل وقال:(ابرك محمود، وارجع راشدًا من حيث جئت فإنك في بلد اللَّه الحرام).
فبرك ومضى نفيل يشتد في صعود الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ثم وجهوه إلى المشرق ففعل كذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. فبعث اللَّه طيرًا من البحر أمثال الخَطاطيف، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجر بمنقاره، وحجران برجليه، فحلقت عليهم وأرسلت تلك الأحجار فهلكوا.
قال ابن إسحاق:(جاؤوا بفيلين، فأما محمود فربض، وأما الآخر فشجع فحصب). ففرت بقية الفيلة، وهلك أبرهة أثناء هربه وهلك جنده معه.
يروي مقاتل:(أن قريشًا أصابوا مالًا جزيلًا من أسلابهم وما كان معهم، وأنّ عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة).
فقصّ اللَّه في القرآن الكريم، يوم جاء الإسلام، هذه القصة، يمتن بها على قريش ويذكرهم فضله عليهم إذ نصرهم وهم مشركون، وقد كانوا تخلوا عن حماية البيت وهربوا صعودًا في الجبال.
قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}. قال ابن عباس:(ألمْ تسمع؟ ) واللفظ استفهام، والمعنى تقرير. وقيل المعنى: ألم تخْبَر. وقيل: ألمْ تعلم. والخطاب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكنه عام، فيه امتنان من اللَّه تعالى على قريش فما لهم لا يؤمنون؟
وأصحاب الفيل هم أولئك القوم من النصارى من الأحباش الذين ملكوا اليمن، ثم ساروا يريدون تخريب الكعبة، فلما أقبلوا على مكة أرسل اللَّه عليهم الطير المذكورة في هذه السورة فأهلكتهم، وكان ذلك آية، وقد وقع قبل بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأربعين عامًا، وكان بعض الذين شهدوا ذلك أحياء عند البعثة.
وقوله تعالى:{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}. أي: ألم يجعل اللَّه تعالى مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة، ضلالًا منهم أدّى بهم إلى الهلاك. قال القرطبي: ({أَلَمْ