فأحدث فيها فرأى السدنة ذلك وأعلموا أبرهة فأقسم ليسيرن إلى بيت مكة فيخربنه حجرًا حجرًا.
وذكر مقاتل بن سليمان:(أن فتية من قريش دخلوها فأجّجوا فيها نارًا وكان يومًا فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت إلى الأرض).
فسار أبرهة في جيش عرمرم، واستصحب معه فيلًا عظيمًا كبير الجثة، لم يُرَ مثله يقال له "محمود" ومعه ثمانية أفيال غيره أو اثنا عشر -أخرى- ليجعل السلاسل في أركان الكعبة ثم توضع في عنق الفيل فيُزجَر ليُلقى الحائط جملة واحدة. وسمعت العرب فخرج رجل من أشراف اليمن -وهو ذو نفر- فدعا قومه لجهاد أبرهة وحماية بيت اللَّه فأجابوه وقاتلوا أبرهة، لكنهم هزموا وأسر "ذو نفر" فاستصحبه معه، فلما وصل أرض خثعم اعترض له "نفيل بن حبيب الخثعمي" في قومه فقاتلوه فهزمهم أبرهة وأُسر نفيل، فأراد قتله، ثم عفا عنه، واستصحبه ليدله في بلاد الحجاز. فلما اقترب من الطائف خرج له أهلها ثقيف وصانعوه خوفًا على بيتهم المسمى "اللات" فأكرمهم وبعثوا معه دليلًا "أبو رغال". فلما وصل أبرهة "المغمس" قرب مكة نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل فأخذوها وفيها مئتا بعير لعبد المطلب.
ثم بعث -أي أبرهة- حناطة الحميري يأتيه بأشراف مكة يخبرهم ما جاء لقتالهم إلا إن صدوه عن البيت، فدُلّ على عبد المطلب فأخبره، فقال عبد المطلب:(واللَّه ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللَّه الحرام وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه).
فأقى معه أبرهة، وكان عبد المطلب رجلًا جسيمًا حسن المنظر، فنزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط وقال لترجمانه:(قل له ما حاجتك؟ ) فقال: (إن حاجتي أن يردّ عليّ الملك مئتي بعير أصابها لي). فقال أبرهة لترجمانه:(قل له: قد كنتَ أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ ). فقال له عبد المطلب:(إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربًا سيمنعه). قال:(ما كان ليمتنع مني). قال:(أنت وذاك).
فرجع يأمر أهل مكة التحصن برؤوس الجبال، ثم قام عبد المطلب وأخذ بحلقة باب الكعبة هو ونفر من قريش يدعون اللَّه ويستنصرونه على أبرهة.