للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراضي الروم والفرس بالاتفاق مع حكامهم. فسياسة الإيلاف والمعاهدات كانت أساس ازدهار اقتصاد مكة ورواج تجارتها في البر والبحر (١).

واختار ابن جرير أن اللام في قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} لامُ التعجب، والتقدير عنده: اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك.

قلت: بل كل ما سبق من التأويل يظهر بعض وجوه الإعجاز القرآني في هاتين الكلمتين وما يمكن أن تغطي من المعاني والمفاهيم، ومِنْ ثَمَّ فقوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} يدخل في مفهومه جميع ما ذكر، واللَّه تعالى أعلم.

وأصل كلمة "إيلاف" من ألِفَ يألَفُ إلفًا، وألفته إلافًا. أو من آلف يؤالف إيلافًا. فألفت وآلفت لغتان عند العرب. والمفهوم الإلف والتآلف أي التقارب والاجتماع.

وأصل كلمة قريش من القرش وهو الجمع والكسب. وقيل نسبة إلى سمك القرش القوي الخطير الذي يهدد سفن البحر. قال النسفي: (وقريش ولد النضر بن كنانة، سموه بتصغير القرش، وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار، والتصغير للتعظيم، فسموه بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهًا بها. وقيل من القرش وهو الجمع والكسب، لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد).

قلت: والقرشية معتبرة في شروط الإمامة العظمى. لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: [الأئمة من قريش]- كما مضى ذكره من حديث أنس. وله شاهد عند الحاكم والبيهقي من حديث علي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الأئمة من قريش، أبرارها أمراء أبرارِها، وفُجَّارها أمراءُ فُجَّارها، وإنْ أمَّرت عليكم قريشٌ عبدًا حبشيًا مُجَدَّعًا فاسمعوا له وأطيعوا، ما لم يخيَّر أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خُيِّرَ بين إسلامه وضرب عنقه فليقدِّم عُنقَه] (٢).

ومفهوم النسب إلى قريش: قيل - هو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. وقيل: هو فهر بن مالك.

قال الشنقيطي: (فالفهري قرشي بلا نزاع، ومن كان من أولاد مالك بن النضر، أو


(١) انظر تفصيل هذا البحث في كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين -القرآن والسنة الصحيحة - البحث ٣ - الحياة في مكة قُبيل ولادة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ص (٤٧ - ٦٢).
(٢) حديث صحيح. انظر تخريج: "إرواء الغليل" -حديث- (٥١٣). وصحيح الجامع الصغير (٢٧٥٤). وانظر تفصيل البحث في كتابي: السياسة الشرعية (١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>