للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء الإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم الله عن ذلك حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام.

أخرج أبو داود وابن حبان بسند صحيح عن ابن عباس قال: [كانت المرأة تكون مِقْلاتًا، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تُهَوِّده، فلما أُجلِيَت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا. فأنزل الله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}] (١).

وقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

نهي عن إجبار أحد على دين الإسلام، فإن هذا الدين العظيم بين واضح لا يدخله إلا من شرح الله صدره له، ونوّر بصيرته، وأما من كان قلبه أعمى متخبطًا تائهًا قد ختم الله عليه كما ختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا.

أخرج البخاري عن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل] (٢).

وقوله: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}.

قال ابن عباس: (وذلك لما دخل الناس في الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الجزية).

وقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}.

فيه أقوال في المراد بالطاغوت:

١ - الطاغوت: الشيطان. قال مجاهد: (الطاغوت الشيطان).

٢ - الطاغوت: الساحر. قال أبو العالية: (الطاغوت الساحر).

٣ - الطاغوت: الكاهن. قال سعيد بن جبير: (الطاغوت الكاهن).

قلت: والراجح أن الطاغوت يشمل كل ما عبد من دون الله، وصرف له شيء من


(١) حديث صحيح. ورواه ابن جرير في التفسير (٣/ ٥٨)، ورجاله رجال الصحيح. وانظر الصحيح المسند من أسباب النزول - الوادعي - سورة البقرة، آية (٢٥٦).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٠١٠)، وأحمد (٢/ ٣٠٢)، وأبو داود (٢٦٧٧)، وغيرهم. والحديث يعني الأسارى الذين يؤتى بهم في الأغلال إلى بلاد الإسلام بعد الحروب، ثم بعد ذلك يسلمون، وتصلح أعمالهم وسرائرهم، فكأنهم بهذه الصورة قد سيقوا إلى الجنة بالأغلال والقيود.

<<  <  ج: ص:  >  >>