للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}.

يعني: يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من شدة تعففهم عن المسألة وترك التعرض لما في أيدي الناس، صبرًا منهم على البأساء والضراء، واحتسابًا لذلك عند الله تعالى.

وقد جاء مدحهم بذلك في السنة الصحيحة: ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي تردّه التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنِىً يغنيه، ولا يُفطن له فَيُتَصدَّق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا] (١).

وقوله: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ}.

قال مجاهد: (التخشّع). وقال السدي: (بسيما الفقر عليهم). وقال الربيع: (تعرف في وجوههم الجَهد من الحاجة)، وقال ابن زيد: (السيما رثاثة ثيابهم. والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها أن تخفى على الناس).

وقوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.

أي: لا يلحون في المسألة، وهي صفة مدح لهم، بنفي الشّره والضراعة التي تظهر في الملحين من السؤال. قال ابن زيد: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}: هو الذي يلح في المسألة).

أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يلى: [ليس المسكين الذي ترُدُّهُ التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفّف. اقرؤوا إن شئتم - يعني قوله - {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}] (٢).

وأخرج الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن رجل من مُزينة: [أنه قالت له أمه: ألا تنطلق فتسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يسأله الناس؟ فانطلقتُ أسألهُ، فوجدته قائمًا يخطب، وهو يقول: من استعفّ أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن يسأل الناس وله عدْل خمس أواق، فقد سأل الناس إلحافًا.


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٤٧٩)، وأخرجه مسلم (١٠٣٩)، وابن حبان (٣٣٥١).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٥٣٩)، وأخرجه مسلم (١٠٣٩)، والبيهقي (٤/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>