للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥)}.

في هذه الآية: عطف سبحانه على ذكر أصحاب القربات والصدقات، بذكر أصحاب الربا وأموال الشبهات.

قال ابن عباس: (آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا يُخْنق) رواه ابن أبي حاتم. وعن سعيد بن جبير: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}: يعني: لا يقومون يوم القيامة). وقال: (ذلك حين يبعث من قبره).

والمقصود أن أكلة الربا لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صَرْعِه، وتخبّط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قيامًا منكرًا.

قلت: والآية دليل على إمكانية تلبس الشيطان بالعبد ومسّه، ودخوله فيه والتأثير عليه، ولا يرده إلا صدق الالتجاء والاستعاذة منه بالله تعالى.

ففي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص، قال: [قلتُ: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُها عليّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذلك شيطان يُقال له خِنْزَب، فإذا أحْسَسْتَهُ فتعوذ بالله منه، واتْفُل عن يسارك ثلاثًا. ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني] (١).

وعن عثمان بن أبي العاص قال: (استعملني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصغَرُ السِّتة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله! إن القرآن يتفلت مني، فوضع يده على صدري وقال: يا شيطان اخْرُج من صدر عثمان. قال: فما نسيت شيئًا بعده أريد حفظه) (٢)،

وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.

أي: هو نظيره، اعتراضٌ منهم على الشرع، أي: لم حَرّم هذا وأباح هذا، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا حلّ مالُ أحدهم على غريمه، يقول الغريم لغريم الحق:


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٢٠٣)، كتاب السلام. وانظر كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (٣/ ١٤٤٢) لتفصيل الخبر.
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٦٠٠)، والمرجع السابق (٣/ ١٤٤١)، والحديث السابق. ورواه الطيالسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>