وأخرج الطبري بسند حسن عن أبي أمامة قال:[لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان ذلك لهم في الجاهلية، فنزلت](١).
وقوله:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}. قال ابن عباس:(ولا تقهروهن {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}، يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مَهْر فَيُضرّها لتفتدي). فهو نهي عن الإضرار في عشرة المرأة ومكارهتها حتى تتنازل عن حقوقها وصداقها.
وقوله:{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. فيه تأويلان:
١ - قال ابن مسعود:(يعني بذلك الزنا). والمقصود: يحق للزوج إن زنت الزوجة أن يسترجع منها الصداق الذي أعطاها، وأن يضاجرها ويكارهها حتى تترك ذلك له وتخالعه. قال أبو قلابة:(إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة، فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه). وقال السدي:({إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، وهو الزنا، فإذا فعلق ذلك فخذوا مهورهن).
٢ - قال ابن عباس والضحاك:(الفاحشة المُبَيِّنَة: النشوز والعصيان).
وقال ابن عباس:({إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، وهو البغض والنشوز، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ له منها الفدية). وقال الضحاك:(فإذا نشزت حل له أن يأخذ خُلْعها منها). وقال:(عدل ربنا تبارك وتعالى في القضاء، فرجع إلى النساء فقال:{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، و {الفاحشة}: العصيان والنشوز. فإذا كان ذلك من قِبَلها، فإن الله أمره أن يضربها، وأمره بالهجر. فإن لم تدع العصيان والنشوز، فلا جناح عليه بعد ذلك أن يأخذ منها الفدية).
واختار شيخ المفسرين - الإمام ابن جرير - أنه يعمّ ذلك كله: الزنا، والعصيان والنشوز، وبذاء اللسان، وغير ذلك. وقال ابن كثير:(يعني أن هذا كلّه يبيح مضاجَرَتها حتى تُبْرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد، والله أعلم).
قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن جرير وابن كثير قوي طيب، وفيه معالجة لكثير من مشاكل التمرد من بعض نساء هذا الزمان لمكارهة الزوج على الطلاق بالإخلال بالطاعة، وهو مذهب الإمام مالك. قال مالك: (للزوج أن يأخذ من الناشز جميع
(١) إسناده حسن. كما قال الحافظ في الفتح، والسيوطي في اللباب. وانظر المرجع السابق.