للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦. قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (٣٦)}.

في هذه الآية: يخاطب سبحانه عباده آمرًا لهم أن يفردوه سبحانه بالعبادة والتعظيم، ثم يوصي بالوالدين والأقربين واليتامى والمساكين خيرًا، ثم يوجه الوصية للعناية بالجار والإحسان إليه، ثم ابن السبيل وما ملكت الأيمان، فإن من لا يشكر الله ولا يقوم بحق أرحامه: الوالدين والأقربين، وجيرانه وما أوصى الله، كان مختالًا متكبرًا يبغضه الله.

وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: [كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار، فقال لي: يا معاذُ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقّ العباد على الله: أن لا يعذب من لا يُشرك به شيئًا. قلت: يا رسول الله، أفلا أبشِّر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا] (١).

قال ابن القيم: ("الإله" هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالًا وإنابة، وإكرامًا وتعظيمًا، وذلًا وخضوعًا، وخوفًا ورجاء وتوكلًا).

وقال ابن رجب: ("الإله" هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاء، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه ودعاءً له، ولا يصلح هذا كله إلا لله عز وجل. فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية، كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قوله "لا إله إلا الله" وكان فيه من عبودية المخلوق، بحسب ما فيه من ذلك) (٢).

وقد قرن سبحانه في كتابه كثيرًا بين إفراده بالعبادة والإحسان إلى الوالدين، فقال جل ذكره: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. وقال تعالى: {وَإِذْ قَال لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٣/ ٣٠٠)، كتاب التوحيد. وأخرجه مسلم (٣٠) في الإيمان.
(٢) انظر فتح المجيد (٤٧)، وكتابي: أصل الدين والإيمان، (١/ ١٠٠)، وكذلك لقول ابن القيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>