للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (٩١)}.

في هذه الآيات: إنكار من الله على المؤمنين اختلافهم في شأن المنافقين الذين تخاذلوا يوم أحد، وهؤلاء المنافقون كانوا يتمنّون أن تجحدوا وحدانية ربكم وتصديق نبيكم كما جحدوا، فإياكم أن توالوهم حتى يهاجروا من دار الشرك إلى دار الإِسلام ابتغاء دين الله ونصره، فإن أبوا الإيمان والهجرة فخذوهم واقتلوهم، إلا من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد وميثاق فدخلوا فيهم، أو جاؤوكم ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم، ولو شاء الله لسلط هذين الفريقين عليكم ولكنه كفّهم سبحانه، فإن اعتزلكم هذان الفريقان: مَنْ دخل منهم مع قوم بينهم وبينكم موادعة أو ضاقت نفوسهم عن قتالكم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلًا بالقتل والسبي. وهناك قوم آخرون من المنافقين يظهرون الإِسلام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه خوف القتل والسباء وأخذ الأموال وهم كفار، كُلما خلوا إلى قومهم عبدوا الأوثان معهم وأشركوا بالله، فهؤلاء إن لم يستسلموا إليكم بالصلح ويكفوا أيديهم عن قتالكم فخذوهم أين أصبتموهم فاقتلوهم ولكم عليهم حجة بذلك وسلطان.

أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [لما خرج رسول الله باب إلى أحد رجع ناس ممن خرج، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقتين: فرقة تقول نقاتلهم وفرقة تقول لا نقاتلهم، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}. وقال: إنها طيبة تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد] (١).

وفي لفظ: [إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة].

وقوله: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}. قال ابن عباس: (أوقعهم). وقال قتادة: (أهلكهم).

وقال السدي: (أضلهم). أي بسبب عصيانهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخاذلهم عنه، والمراد عبد الله بن أبي بن سلول حين رجع بثلث الجيش يوم أحد، وبقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في سبع مئة.


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٨٨٤)، و (٤٠٥٠)، ومسلم (١٣٨٤)، وأحمد (٥/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>