للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكلاهما عن الزهري به نحوه (١)، ولكن الاحتياط هو الإرشاد لما رواه الإمامان الحافظ أبو بكر بن مردويه، والحاكم في مستدركه من رواية معاذ بن معاذ العنبري، عن شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي ، قال: "ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ، ورجل أقرض رجلًا مالًا فلم يُشِهد" ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، قال: ولم يخرجاه لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى، وإنما أجمعوا على سند حديث شعبة بهذا الإسناد "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين" (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ قيل: معناه لا يضارّ الكاتب ولا الشاهد، فيكتب هذا خلاف ما يُملي، ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو يكتمها بالكلية، وهو قول الحسن وقتادة وغيرهما (٣). وقيل: معناه لا يضربهما.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أُسيد بن عاصم، حدثنا الحسين يعني ابن حفص، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مِقسم، عن ابن عباس، في هذه الآية: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ قال: يأتي الرجل فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة، فيقولان: إنا على حاجة، فيقول: إنكما قد أمرتما أن تجيبا، فليس له أن يضارَّهما (٤). قال: ورُوي عن عكرمة ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك وعطية ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك (٥).

وقوله: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ أي: إن خالفتم ما أمرتم به أو فعلتم ما نهيتم عنه، فإنه فسق كائن بكم، أي لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه، وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ كقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] وكقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد:٢٨].

وقوله: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي: هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها فلا يخفى عليه شيء من الأشياء بل علمه محيط بجميع الكائنات.

﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ﴾ أي: مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ﴿وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا﴾


(١) أخرجه أبو داود من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع به (السنن، الأقضية، باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد ح ٣٦٠٧)، والنسائي، السنن، البيوع، باب التسهيل في ترك الإشهاد على البيع ٧/ ٣٠١، ٣٠٢، وحسنه الأرناؤوط (جامع الأصول ١٠/ ١٩٦)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٠٧٣).
(٢) المستدرك ٢/ ٣٠٢.
(٣) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند صحيح.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه يزيد بن أبي زياد: وهو ضعيف كما في التقريب. ويشهد له أقوال التابعين التالية.
(٥) ذكرهم كلهم ابن أبي حاتم، بحذف السند، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند صحيح.