للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكتب لكم، قال ابن عباس. أو وجدوه ولم يجدوا قرطاسًا أو دواة أو قلمًا (١). ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ أي: فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضة؛ أي في يد صاحب الحق، وقد استدل بقوله: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض كما هو مذهب الشافعي والجمهور، واستدلَّ بها آخرون على أنه لا بد أن يكون الرهن مقبوضًا في يد المرتهن، وهو رواية عن الإمام أحمد، وذهب إليه طائفة، واستدلَّ آخرون من السلف بهذه الآية، على أنه لا يكون الرهن مشروعًا إلا في السفر، قاله مجاهد وغيره، وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله ، توفي ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقًا من شعير رهنها قوتًا لأهله (٢). وفي رواية: من يهود المدينة. وفي رواية الشافعي: عند (٣) أبي الشحم اليهودي، وتقرير هذه المسائل في كتاب "الأحكام الكبير"، ولله الحمد والمنة، وبه المستعان.

وقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ روى ابن أبي حاتم بإسناد جيد عن أبي سعيد الخدري أنه قال: هذه نسخت ما قبلها (٤).

وقال الشعبي: إذا ائتمن بعضكم بعضًا فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا (٥).

وقوله: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ يعني: المؤتمن كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من رواية قتادة، عن الحسن عن سمرة أن رسول الله ، قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" (٦).

قوله: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾ أي: لا تخفوها وتغلوها، ولا تظهروها.

قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك، ولهذا قال: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ (٧).

قال السدي: يعني فاجر قلبه (٨)، وهذه كقوله تعالى: ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٦] وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)[النساء] وهكذا قال ههنا: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عكرمة عنه.
(٢) صحيح البخاري، الرهن، باب الرهن في الحضر (ح ٢٥٠٨)، وأخرجه مسلم من حديث عائشة (الصحيح، المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر ح ١٦٠٣).
(٣) في الأصل: "عن" وهو تصحيف.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق المنذر بن مالك عن أبي سعيد الخدري. وجود إسناده الحافظ ابن كثير.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق عبد الله بن شبرمة عن الشعبي.
(٦) المسند ٣٣/ ٢٧٦ (ح ٢٠٠٨٦) وقال محققوه: حسن لغيره، وسنن الترمذي، البيوع، باب ما جاء في العارية مؤداة (ح ١٢٦٦)، وقال: حسن صحيح، وسنن أبي داود، البيوع، باب في تضمين العارية (ح ٣٥٦١).
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٨) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عنه.