للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، أن أباه قرأ ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ فدمعت عيناه، فبلغ صنيعه ابن عباس فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع كما صنع رسول الله حين أنزلت، فنسختها الآية التي بعدها ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (١).

فهذه طرق صحيحة عن ابن عباس، وقد ثبت عن ابن عمر كما ثبت عن ابن عباس قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن مروان الأصغر، عن رجل من أصحاب النبي أحسبه ابن عمر ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ قال: نسختها الآية التي بعدها (٢). وهكذا روي عن عليّ وابن مسعود وكعب الأحبار والشعبي والنخعي ومحمد بن كعب القرظي وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة، أنها منسوخة بالتي بعدها، وقد ثبت بما رواه الجماعة في كتبهم الستة من طريق قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل" (٣).

وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "قال الله: إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا همَّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرًا" (٤) لفظ مسلم وهو في إفراده من طريق إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبي هريرة، عن رسول الله ، قال: "قال الله: إذا همَّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها له عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، وإذا همَّ بسيئة فلم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة" (٥). وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله ، قال: "قال الله: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها". وقال رسول الله : "قالت الملائكة: ربِّ وذاك أن عبدك، يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به، فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنما تركها من جراي". وقال رسول الله : "إذا أحسن أحد إسلامه، فإن له بكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله ﷿" تفرد به مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق (٦) بهذا السياق واللفظ، وبعضه في صحيح البخاري. وقال مسلم أيضًا: حدثنا أبو كريب، حدثنا خالد الأحمر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وصححه الحافظ ابن كثير.
(٢) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، تفسير سورة البقرة، باب ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ ح ٤٥٤٦).
(٣) صحيح البخاري، الإيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الإيمان (ح ٦٦٦٤)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس (ح ٢٠١).
(٤) صحيح مسلم، باب إذا همّ العبد بحسنة (ح ١٢٨).
(٥) المصدر السابق، باب إذا همّ العبد بحسنة (ح ١٢٨).
(٦) أخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق به (الصحيح، الإيمان، الباب السابق (ح ١٢٩).