للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن أبي غالب، قال: سمعت أبا أُمامة يحدث عن النبي في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ قال: "هم الخوارج" (١).

وفي قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦] قال: "هم الخوارج" وقد رواه ابن مردويه من غير وجه، عن أبي غالب، عن أبي أُمامة مرفوعًا فذكره، وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفًا من كلام الصحابي، ومعناه صحيح، فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة، فقال قائلهم، وهو ذو الخويصرة - بقر الله خاصرته -: اعدل فإنك لم تعدل، فقال له رسول الله : "لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، أيأمنني (٢) على أهل الأرض ولا تأمنوني". فلما قفا (٣) الرجل استأذن عمر بن الخطاب، وفي رواية: خالد بن الوليد، رسول الله في قتله، فقال: "دعه فإنه يخرج من ضئضئ (٤) هذا - أي: من جنسه - قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قرائتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قلتهم أجرًا لمن قتلهم" (٥).

ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب، وقبائل وآراء، وأهواء، ومقالات، ويحل كثيرة منتشرة، ثم نبعت القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "من كان على أنا عليه وأصحابي"، أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة (٦).

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو موسى، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن جُندب بن عبد الله، أنه بلغه عن حذيفة، أو سمعه منه، يحدث عن رسول الله أنه ذكر "إن في أمتي قومًا يقرؤون القرآن، ينثرونه نثر الدقل (٧) يتأولونه على غير تأويله" (٨). لم يخرجوه.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ اختلف القراء في الوقف ههنا، فقيل: على الجلالة، كما تقدم عن ابن عباس أنه قال: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه،


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٢٦٢)، وحكم عليه الحافظ ابن كثير.
(٢) في الأصل: "يأمنني" والتصويب من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.
(٣) في الأصل: "مضى" والتصويب من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.
(٤) في الأصل: "صيصي" وهو تصحيف والتصويب كسابقه.
(٥) أخرجه البخاري (الصحيح، المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام ح ٢٦١٠)، وصحيح مسلم، الزكاة، باب ذكر الخوارج (ح ١٠٦٣).
(٦) أخرجه الحاكم وسكت عنه هو والذهبي (المستدرك ١/ ١٢٨ - ١٢٩)، وفي سنده: عبد الرحمن بن زياد وهو الإفريقي وهو ضعيف كما في التقريب.
(٧) لفظ: "الدقل" تصحف في الأصل "إلى: له بل" والتصويب من (عف) و (ح) و (حم).
(٨) في سنده عمرو بن عاصم وهو القيسي البصري وهو صدوق في حفظه شيء (التقريب ص ٤٢٣).