للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)[النساء]، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولوا العقول السليمة والفهوم المستقيمة] (١).

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا فياض الرقي، حدثنا عبد الله بن يزيد وكان قد أدرك أصحاب النبي أنسًا وأبا أُمامة وأبا الدرداء قال: حدثنا أبو الدرداء أن رسول الله ، سئل عن الراسخين في العلم، فقال: "من برّت (٢) يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن أعفَّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: سمع رسول الله قومًا يتدارؤون، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما أنزل كتاب الله يصدق بعضه بعضًا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه" (٤). وتقدم رواية ابن مردويه لهذا الحديث من طريق هشام بن عمار، عن ابن أبي حازم، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب به.

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا أنس بن عياض، عن أبي حازم، عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة أن رسول الله ، قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، والمِراء في القرآن كفر - قالها ثلاثًا (٥) - ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه " وهذا إسناد صحيح، ولكن فيه عِلّة بسبب قول الراوي: "لا أعلمه إلا عن أبي هريرة".

وقال ابن المنذر في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، قال: يقال: الراسخون في العلم المتواضعون لله، المتذللون لله في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا يحقرون من دونهم (٦). ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: إنما يعقل ويفهم ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة.

ثم قال تعالى مخبرًا عنهم أنهم دعَوا ربهم قائلين: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ أي: لا تَمِلها عن الهدي بعد إذ أقمتها عليه، ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يبتغون ما تشابه من القرآن، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم، ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ﴾ أي: من عندك ﴿رَحْمَةً﴾ تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانًا وإيقانًا، ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.


(١) ما بين معقوفين زيادة من (عف).
(٢) في الأصل: "من بر في يمينه" والتصويب من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه عبد الله بن يزيد، وهو ابن آدم الدمشقي يروي أحاديث موضوعة (ميزان الاعتدال ٢/ ٥٢٦).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦٧٤١)، وصححه محققه أحمد شاكر، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ٤/ ٢٨.
(٥) كذا في مسند أبي يعلى وفي النُسخ جميعها بدون: "قالها" (مسند أبي يعلى ١٠/ ٤١٠ ح ٦٠١٦)، فقد أخرجه بسنده ومتنه.
(٦) لم أجده في تفسير ابن المنذر المطبوع ولعله من رواية أخرى لتفسير ابن المنذر، وسنده صحيح.