للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا أنت، سبحانك، اللَّهم إني أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمة، اللَّهم زدني علمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" لفظ ابن مردويه (١).

وقال عبد الرزاق، عن مالك، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن عبادة بن نسي أنه أخبره، أنه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني أبو عبد الله (٢) الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأُم القرآن وسورتين من قصار المفصل، وقرأ في الركعة الثالثة، قال: فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الآية: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)(٣).

قال أبو عبيد: وأخبرني عبادة بن نسي أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته، فقال عمر لقيس: كيف أخبرتني عن أبي عبد الله الصنابحي؟ فأخبره بما سمع أبا عبد الله ثانيًا. قال عمر: فما تركناها منذ سمعناها منه وإن كنت قبل ذلك لعلى غير ذلك، فقال له رجل: على أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك؟ قال: كنت أقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)[الإخلاص].

وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلم عن مالك والأوزاعي، كلاهما عن أبي عبيد به، وروى هذا الأثر الوليد أيضًا عن ابن جابر، عن يحيى بن يحيى الغساني، عن محمود بن لبيد، عن الصنابحي، أنه صلى خلف أبي بكر المغرب، فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة يجهر بالقراءة، فلما قام إلى الثالثة، ابتدأ القراءة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتمس ثيابه، فقرأ هذه الآية: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)

وقوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ (٤).

أي: يقولون في دعائهم: إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم، وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه، وتجزي كلًا بعمله وما كان عليه في الدنيا من خير وشر.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١)﴾.

يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)[غافر] وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥)[التوبة] وقال تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا


(١) سنن أبي داود، الأدب، باب ما يقال عند النوم (ح ٥٠٦١)، وعمل اليوم والليلة للنسائي (ح ٨٦٥)، والإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان ١٢/ ٣٤١ (ح ٥٥٣١)، وضعفه الألباني بسبب عبد الله بن الوليد التجيبي وهو لين الحديث كما في التقريب (ضعيف سنن أبي داود ح ١٠٧٤).
(٢) في الأصل: "أبو عبيد الله" والتصويب من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه (المصنف ٢/ ١٠٩ - ١١٠ ح ٢٦٩٨)، وسنده صحيح.
(٤) أخرجه عبد الرزاق من طريق رجاء بن حيوة عن محمود بن ربيع عن الصنابحي به، (المصنف ٢/ ١١٠ ح ٢٦٩٩)، وسنده صحيح ومحمود بن الربيع، ومحمود بن لبيد المذكوران في تفسير ابن كثير كلاهما من صغار الصحابة.