للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مسعود: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا، واحدًا، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ الآية [الأنفال: ٤٤] (١)، وقال أبو إسحاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، قال: فأسرنا رجلًا منهم، فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا (٢)، فعندما عاين كل من الفريقين الآخر، رأى المسلمون المشركين مثليهم، أي أكثر منهم بالضعف ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبوا الإعانة من ربهم ﷿، ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع، ثم لما حصل المصاف والتقى الفريقان، قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، ليقدم كل منهما على الآخر ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ أي: ليفرق بين الحق والباطل، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر والطغيان، ويعز المؤمنين وبذل الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣]، وقال ههنا: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ أي: إن في ذلك لمعتبر (٣) لمن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكمة الله وأفعاله وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)﴾.

يخبر تعالى عمَّا زُين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء، لأن الفتنة بهنَّ أشد، كما ثبت في صحيح أنه ، قال: "ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء" (٤)، فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه، مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، "وإن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء" (٥)، وقوله : "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة (٦)، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" (٦) وقوله في الحديث الآخر: "حُبِّب إليَّ النساء والطيب، وجُعلت قرَّة عيني في الصلاة" (٧).


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق إسباط عن السدي به، وأخرجه ابن أبي حاتم بدون ذكر مرة الطيب.
(٢) تقدم الكلام عن ترجيح الحافظ ابن حجر عدم سماع أبي عبيدة من أبيه ابن مسعود، وتشهد له رواية علي السابقة.
(٣) في الأصل: "لعبر" وكلاهما صحيح.
(٤) أخرجه مسلم من حديث أسامة بن زيد مرفوعًا (الذكر والدعاء، باب أكثر أهل الجنة الفقراء ح ٢٧٤٠).
(٥) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس موقوفًا (الصحيح، النكاح، باب كثرة النساء ح ٥٠٦٩).
(٦) أخرج هذا الشطر مسلم في صحيحه، الرضاع، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة (ح ١٤٦٧).
(٧) أخرجه الإمام أحمد من حديث أنس (المسند ٣/ ٢٨٥)، وسنده حسن وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ١٦٠).