للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ فحمد الله وقال: "الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئًا وسئلت عنه، قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" فبعث رسول الله إلى علي، ثم أكل رسول الله ، [وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي ] (١) وأهل بيته حتى شبعوا جميعًا، قالت: وبقيت الجفنة كما هي، قالت: فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران، وجعل الله فيها بركة وخيرًا كثيرًا (٢).

﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾.

لما رأى زكريا أن الله يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذٍ في الولد وكان شيخًا كبيرًا قد ضَعُفَ، ووهن منه العظم واشتعل الرأس شيبًا، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرًا، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفيًا، وقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ﴾ أي: من عندك ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ أي: ولدًا صالحًا ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.

قال تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ أي: خاطبته الملائكة شفاهًا خطابًا، أسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته. ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ أي: بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى. قال قتادة وغيره: إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان (٣).

وقوله: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ روى العوفي وغيره عن ابن عباس، وقال الحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وأبو الشعثاء والسدي والربيع بن أنس والضحاك وغيره في هذه الآية: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: بعيسى ابن مريم (٤).

وقال الربيع بن أنس: هو أول من صدق بعيسى ابن مريم (٥).


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك كسابقه.
(٢) في سنده عبد الله بن لهيعة فيه مقال، وعبد الله بن صالح: صدوق كثير الخطأ ثبت في كتابه فيه غفلة (التقريب ص ٣٠٨).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق شيبان عن قتادة.
(٤) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عكرمة عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عباد بن منصور عنه، وقول عكرمة تقدم عند ابن أبي حاتم، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند حسن من طريق النضر بن عربي، وطريق الضحاك أخرجه ابن المنذر بسند صحيح من طريق علي بن الحكم عنه. وطريق السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٥) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عنه.