للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر غيره: أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب، فكفل زكريا مريم لذلك، ولا منافاة بين القولين، والله أعلم. وإنما قدَّر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علمًا جمًا نافعًا وعملًا صالحًا، ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما (١).

وقيل: زوج أختها، كما ورد في الصحيح "فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة" (٢)، وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضًا توسعًا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن أبي طالب، وقال: "الخالة بمنزلة الأُم" (٣). ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلالتها في محل عبادتها، فقال: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾.

قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والربيع بن أنس وعطية العوفي والسدي: يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف (٤).

وعن مجاهد ﴿وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾ أي: علمًا، أو قال: صحفًا [فيها علم] (٥) رواه ابن أبي حاتم (٦)، والأول أصحّ وفيه دلالة على كرامات الأولياء. وفي السُّنة لهذا نظائر كثيرة.

فإذا رأى زكريا هذا عندها ﴿قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ أي: يقول: من أين لك هذا؟ ﴿قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا سهل بن زنجلة، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، أن رسول الله ، أقام أيامًا لم يطعم طعامًا حتى شقَّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه، فلم يجد عند واحدة منهن شيئًا، فأتى فاطمة فقال: "يا بنية هل عندك شيء آكله، فإني جائع؟ " قالت: لا والله - بأبي أنت وأُمي -[فلما خرج من عندها، بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها، فوضعته في جفنة لها، وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعًا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنًا أو حسينًا إلى رسول الله ، فرجع إليها، فقالت له: بأبي أنت وأُمي] (٧) قد أتى الله بشيء فخبأته لك. قال: "هلمي يا بنية". قالت: فأتيته بالجفنة، فكشف عنها، فإذا هي مملوءة خبزًا ولحمًا، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه وقدمته إلى رسول الله، فلما رآه حمد الله وقال: "من أين لك هذا يا بنية"؟ قالت: يا أبتِ ﴿هُوَ


(١) أخرجه الطبري بنحوه من الطريق السابق عن ابن إسحاق.
(٢) سيأتي تخريجه في مطلع سورة الإسراء في قصة الإسراء والمعراج.
(٣) صحيح البخاري، الصلح، باب كيف يكتب، هذا ما صالح فلان بن فلان … (ح ٢٦٩٩).
(٤) ذكرهم ابن أبي حاتم كلهم بحذف السند في أغلبهم، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق النضر بن عربي عنه، وقول قتادة والسدي والربيع بن أنس أخرجه الطبري بأسانيد حِسان عنهم، وقول سعيد بن جبير والضحاك أخرجه الطبري بأسانيد ضعاف يشهد لها ما سبق.
(٥) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق إبراهيم بن رستم عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٧) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.