للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المروزي -، حدثنا جرير - يعني ابن حازم -، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وصبي كان في زمن جُريج، وصبي آخر" (١).

فلما سمعت بشارة الملائكة لها بذلك عن الله ﷿، قالت في مناجاتها: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ تقول: كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج، ولا من عزمي أن أتزوج، ولست بغيًا حاشا لله؟ فقال لها الملك عن الله ﷿ في جواب ذلك السؤال: ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ أي: هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء، وصرح ههنا بقوله: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ ولم يقل: يفعل، كما في قصة زكريا، بل نص ههنا على أنه يخلق لئلا يبقى لمبطل شبهة، وأكدّ ذلك بقوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي: فلا يتأخر شيئًا بل يوجد عقب الأمر بلا مهلة كقوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر] أي: إنما نأمر مرة واحدة لا مثنوية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعًا كلمح بالبصر.

﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى : أن الله يعلمه ﴿الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة، والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة، و ﴿وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾، فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم . وقد كان عيسى يحفظ هذا وهذا.

وقوله: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: يجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، قائلًا لهم: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وكذلك كان يفعل، يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه فيطير عيانًا بإذن الله ﷿، الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ قيل: إنه الذي يبصر نهارًا ولا يبصر ليلًا (٢)، وقيل: بالعكس. وقيل: الأعشى. وقيل: الأعمش (٣). وقيل: هو الذي يولد أعمى (٤) وهو أشبه، لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي ﴿وَالْأَبْرَصَ﴾ معروف، ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه أبو الصقر يحيى بن محمد بن قزعة وهو مقبول كما في التقريب، وقد توبع في الصحيحين فأخرجه البخاري عن مسلم بن إبراهيم، ومسلم من طريق يزيد هارون كلاهما عن جرير بن حازم (صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ … ﴾ [مريم: ١٦] ٤/ ٢٠١) الطبعة اليونينية وصحيح مسلم، البر والصلة، باب تقديم بر الوالدين بعد حديث رقم (٢٥٥٠). وهذا الحديث وما بعده خمسة أحاديث سقط من فتح الباري الطبعة السلفية (٦/ ٤٦٩).
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند ضعيف من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أبي جعفر الرازي عن قتادة.