للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكر عكرمة أيضًا (١) والسدي وقتادة والربيع بن أنس وغير واحد، دخل حديث بعضهم في بعض، أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن، واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فيه فأيهم يثبت في جَرْيَة الماء فهو كافلها، فألقوا أقلامهم، فاحتملها الماء إلا قلم زكريا فإنه ثبت ويقال: إنه ذهب صعدًا يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيهم، صلوات الله وسلامه عليه (٢).

﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)﴾.

هذه بشارة من الملائكة لمريم بأن سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير. قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ أي: بولد يكون وجوده بكلمة من الله، أي: بقوله له: كن فيكون، وهذا تفسير قوله: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٣٩] كما ذكر الجمهور على ما سبق بيانه ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ أي: يكون مشهورًا بهذا في الدنيا، يعرفه المؤمنون بذلك وسمي المسيح، قال بعض السلف: لكثرة سياحته (٣). [وقيل أنه كان مسيح القدمين، لا أخمص لهما، وقيل: لأنه كان إذا مسح أحدًا من ذوي العاهات برئ، بإذن الله تعالى، (٤)، وقوله: ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ نسبة إلى أُمه حيث لا أبَ له. ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ أي: له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا بما يوحيه الله إليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه به، وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه، فيقبل منه أسوة بإخوانه من أولي العزم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وقوله: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ أي: يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في حال صغره، معجزة وآية، وفي حال كهولته حين يوحي الله إليه بذلك ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي: في قوله وعمله، له علم صحيح وعمل صالح.

قال محمد بن إسحاق: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن شرحبيل، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ما تكلم مولود في صغره إلا عيسى وصاحب جُريج" (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو الصقر (٦) يحيى بن محمد بن قزعة، حدثنا الحسين - يعني


= ابن داود ولقبه: سنيد وهو ضعيف وابن جريج لم يصرح بالسماع، فالإسناد ضعيف.
(١) في الأصل: "عكرمة والسدي" أيضًا والمثبت من (عف) و (ح) و (حم) وهو الصواب لأن القول السابق لعكرمة فقط وليس للسدي.
(٢) ذكره نحوه الطبري في الموطن السابق كما في الحاشية السابقة.
(٣) أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن أبي يحيى عبد الرحمن الثقفي بلفظ: "كان سائحًا".
(٤) ما بين معقوفين زيادة من (ح) و (حم).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به، وفيه عنعنة ابن إسحاق وسيأتي من طريق آخر صحيح.
(٦) كذا في (عف) و (ح) و (حم) وتفسير ابن أبي حاتم، وفي الأصل: "أبو الصف" وهو تصحيف.