للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فآووه ونصروه وهاجر إليهم، فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر، وأرضاهم. وهكذا عيسى ابن مريم انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، ولهذا قال الله تعالى مخبرًا عنهم: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)﴾ الحواريون قيل: كانوا قصارين (١) (٢)، وقيل: سموا بذلك لبياض ثيابهم (٣)، وقيل: صيادين (٤).

والصحيح أن الحواري الناصر، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله لما ندب الناس يوم الأحزاب، فانتدب الزبير ثم ندبهم، فانتدب الزبير ، فقال النبي : "إنَّ لكل نبيّ حواري، وحواريي الزبير" (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ قال: مع أمة محمد (٦)، وهذا إسناد جيد.

ثم قال تعالى مخبرًا عن ملإ بني إسرائيل، فيما هموا به من الفتك (٧) بعيسى ، وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤوا عليه، ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان، وكان كافرًا، فأنهوا إليه أن ها هنا رجلًا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه، إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب، وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به، نجَّاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة (٨) ذلك البيت إلى السماء، وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى، فأخذوه وأهانوه وصلبوه، ووضعوا على رأسه الشوك، وكان هذا من مكر الله بهم، فإنه نجَّى نبيه ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادًا للحق ملازمًا لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤)﴾.

﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾.

اختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ فقال قتادة وغيره: هذا من


(١) كذا في (عف) و (ح) و (حم)، وفي الأصل: "نصارى" وهو تصحيف.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) (٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٥) صحيح البخاري، الجهاد، باب فضل الطليعة (ح ٢٨٤٦)، وصحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب من فضائل طلحة والزبير (ح ٢٤١٥).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وجود إسناده الحافظ ابن كثير.
(٧) كذا في (عف)، وفي الأصل و (حم) و (ح): "القتل".
(٨) كذا في (عف) و (ح) و (حم)، وفي الأصل: "ذروة" وهو تصحيف.