للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الطحاوي وغيره: وإنما كان ذلك رخصةً أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش وقراءة رسول الله لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ، وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصةً في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.

(قلت): وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم. وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضًا. فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله في آخر رمضان كان من عمره وعزم عليهم أن لا يقرؤوا بغيرها. وأن لا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم (فيها) (١) سعة. ولكثها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس [بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، وأمضاه عليهم. وكذلك كان ينهى] (٢) عن المتعة في أشهر الحج؛ لئلا تقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أبو موسى (يفتي) (٣) بالتمتع، فترك فتياه اتباعًا لأمير المؤمنين وسمعًا وطاعةً للأئمة المهديين.

(القول الثاني): أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر.

قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة: ٦٠] و ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ [يوسف: ١٢].

قال (٤) القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد واختاره ابن عطية.

قال أبو عبيد (٥): وبعض اللغات أسعد به من بعض.

وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان إنه نزل بلسان قريش؛ أي: معظمه ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: ٢] ولم يقل: قرشيًا، قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولًا واحدًا؛ يعني: حجازها ويمنها.

وكذا قال الشيخ (٦) أبو عمر ابن عبد البر، قال: لأن لغة غير قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات فإن قريشًا لا تهمز.

وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري معنى: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: ١] حتى سمعت أعرابيًا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.

(القول الثالث): أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصةً، لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما ينطق به الحديث في "سنن ابن ماجه" وغيره.


(١) ساقط من (ج).
(٢) سقط من سياق (ط) وقيد بالحاشية.
(٣) في (أ) و (ط): "يبيح".
(٤) في "تفسيره" (١/ ٤٣، ٤٤).
(٥) في "فضائل القرآن" (ص ٢٠٣) وعبارته هناك: "وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظًا فيها من بعض".
(٦) في "التمهيد" (٨/ ٢٨٠).