للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطهر وأطيب" وصححه الترمذي من الوجهين.

وفي "الصحيحين" (١) عن عائشة أنها قالت: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وهذا محرر في "باب الكفن" من "كتاب الجنائز".

ثم سألها عن ترتيب القرآن، فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف؛ أي: مرتب السور، وكان هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم وقبل الإلزام (٢) به، والله أعلم، ولهذا أخبرته إنه لا يضرك بأي سوره بدأت، وإن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن ﴿اقْرَأْ﴾ [العلق: ١] فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولًا فأولًا، وهذا من حكمة الله ورحمته.

ومعنى هذا الكلام أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليست البداءة بها في أوائل المصاحف مع أنها من أول ما نزل، "وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده".

فأما ترتيب الآيات في السور، فليس في ذلك رخصة بل هو أمر توقيفي عن رسول الله كما تقدم تقرير ذلك، ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها فأملت عليه آي السور، والله أعلم.

وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر كما


= والنسائي (٨/ ١٤٩، ١٥٠)؛ والترمذي (٩٩٤)؛ وفي "الشمائل" (٥١)؛ وابن ماجه (١٤٧٢، ٣٤٩٧)؛ وابن حبان (١٤٣٩، ١٤٤٠، ١٤٤١)؛ والحاكم (١/ ٣٤٥ و ٤/ ١٨٥) وآخرون من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا فذكره.
وصححه الترمذي، والحاكم: على شرط مسلم، وابن القطان كما في "التلخيص" (٢/ ٦٩) وجود المصنف إسناده عند الآية رقم (٣١) من سورة الأعراف.
وأما حديث سمرة بن جندب؛ فأخرجه النسائي (٤/ ٣٤، ٨/ ٢٠٥)؛ وأحمد (٥/ ٢٠، ٢١)؛ وعبد الرزاق (٦١٩٨)؛ والطبراني في "الكبير" (ج ٧/ رقم ٦٩٧٥، ٦٩٧٦)؛ والحاكم (٤/ ١٨٥)؛ والبيهقي (٣/ ٤٠٣) من طريق أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن سمرة مرفوعًا.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وقد اختلف في إسناده وقد فصلت ذلك في "التسلية".
(١) أخرجه البخاري (٣/ ١٣٥، ٤٠)؛ ومسلم (٩٤١/ ٤٥)؛ وأبو نعيم في "المستخرج" (ج ١٦/ ق ٢٤/ ١)؛ وأبو داود (٣١٥١، ٣١٥٢)؛ والنسائي (٤/ ٣٥، ٣٦)؛ والترمذي (٩٩٦)؛ وابن ماجه (١٤٦٩)؛ وأحمد (٦/ ١١٨، ٢١٤) وآخرون من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
(٢) كذا قال المصنف، وتعقبه الحافظ في "الفتح" (٩/ ٣٩، ٤٠) قائلًا: "كذا قال! وفيه نظر فإن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان إرسال عثمان المصاحف إلى الآفاق، فقد ذكر المزي أن روايته عن أُبي بن كعب مرسلة، وأُبي عاش بعد إرسال المصاحف على الصحيح، وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي، والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان يأخذ بقراءة ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة، لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه فكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف مصحف عثمان، ولا شك أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره، فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف". اهـ. ونقله العيني في "العمدة" (٢٠/ ٢٢) ملخصًا، ولم يعزه لقائله!