للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(حديث آخر) قال ابن جرير أيضًا : حدثنا ابن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، عن العلاء بن زياد، عن أبي أيوب بشير بن كعب أن نبي الله قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، وحدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال … فذكر مثله (١).

(أثر آخر) قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران، عن قتادة، قال: كنا عند أنس بن مالك وثمَّ أبو قلابة، فحدث أبو قلابة فقال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فقال: وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله ﷿: وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم [العتواري] (٢)، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي ، قال: "قال إبليس: وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله ﷿: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" (٣).

فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله ﷿ وهو يرجو الحياة، فإن توبته مقبولة، ولهذا قال تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ وأما متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم، فلا توبة مقبولة حينئذٍ، ولات حين مناص، ولهذا قال: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾، وهذا كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ الآية [غافر: ٨٤، ٨٥]، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ الآية [الأنعام: ١٥٨]، وقوله: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ يعني: أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته، ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض.

قال ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ قالوا: نزلت في أهل الشرك (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدثني أبي، عن مكحول أن عمر بن نعيم حدثه عن أسامة بن سلمان أن أبا ذر حدثهم أن رسول الله ، قال: "إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب". [قيل: وما وقوع الحجاب؟] (٥) قال:


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وقتادة لم يسمع من عباده ويشهد له حديث ابن عمر السابق.
(٢) كذا في (ح) و (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل: "العراري" وهو تصحيف.
(٣) أخرجه الإمام أحمد من طريق يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أبي سعيد الخدري به (المسند ١٧/ ٣٤٤ ح ١١٢٤٤)، وحسنه محققوه بتعدد طرقه.
(٤) قول أبي العالية والربيع بن أنس أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية.
(٥) سقط في الأصل واستدرك من (ح) و (حم) و (مح) والتخريج.