للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣] (١). وهكذا قال عطاء وقتادة (٢)، ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر، والله أعلم، وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الآية، مبشع غاية التبشع، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾، وقد قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] وقال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)[الإسراء] فزاد ههنا ﴿وَمَقْتًا﴾ أي: بغضًا؛ أي: هو أمر كبير في نفسه، ويؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي وهو كالأب للأُمة بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه (٣).

وقال عطاء بن أبي رباح في قوله: ﴿وَمَقْتًا﴾ أي: يمقت الله عليه، ﴿وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ أي: وبئس طريقًا لمن سلكه من الناس، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئًا لبيت المال. كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن البراء بن عازب، عن خاله [أبي بردة] (٤) - وفي رواية: ابن عمر، وفي رواية: عن عمه - أنه بعثه رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه [من بعده] (٥) أن يقتله ويأخذ ماله (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا أشعث، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: مرَّ بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له النبي فقلت له: أي عمّ أين بعثك النبي؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه (٧).

(مسألة): وقد أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو شبهة، واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع، أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية، ونصّ (٨) الإمام أحمد أنها تحرم أيضًا بذلك، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة حُديج الحصني مولى معاوية قال: اشترى لمعاوية جارية بيضاء جميلة، فأدخلها عليه مجردة وبيده قضيب، فجعل يهوي به إلى متاعها، ويقول: نعم المتاع، لو كان له متاع اذهب بها إلى يزيد بن معاوية، ثم قال: لا، ادع لي ربيعة بن عمرو الجُرشي، وكان فقيهًا، فلما دخل عليه قال: إن هذه أتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك وذاك، وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد، فقال: لا تفعل


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ورجاله ثقات، وقراد هو عبد الرحمن بن غزوان الضبي، وسنده صحيح.
(٢) قول عطاء أخرجه الطبري بسند فيه سُنيد وهو ضعيف، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق زهير بن محمد عن عطاء بن أبي رباح.
(٤) (٥) الزيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بنحوه (المسند ٣٠/ ٥٧٢ ح ١٨٦١٠)، وضعفه محققوه.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٠/ ٥٤٣ ح ١٨٥٧٩)، وضعفه محققوه، وفي سنده أشعث وهو ابن سوار: ضعيف كما في التقريب.
(٨) كذا في الأصل، وفي (حم) و (مح): "وعن".