للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمكة في ذلك، فأنزل الله ﷿ ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ ونزلت ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]، ونزلت ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠] (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا خالد بن الحارث، عن الأشعث، عن الحسن بن محمد: أن هؤلاء الآيات مبهمات ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ﴾ ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ (٢)، ثم قال: وروي عن طاوس وإبراهيم والزهري ومكحول، نحو ذلك (٣).

(قلت): معنى مبهمات، أي: عامة في المدخول بها وغير المدخول، فتحرم بمجرد العقد عليها، وهذا متفق عليه، فإن قيل: فمن أين تحرم امرأة ابنه من الرضاعة كما هو قول الجمهور، ومن الناس من يجعله (٤) إجماعًا وليس من صلبه، [فالجواب] (٥) من قوله : "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (٦)، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أي: وحرم عليكم الجمع بين الأختين معًا في التزويج، وكذا في ملك اليمين إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عن ذلك وغفرناه. فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل ولا استثناء فيما سلف، كما قال: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦] [فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا] (٧)، وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديمًا وحديثًا على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح، ومن أسلم وتحته أختان، خير فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة. قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي وهب الجَيْشاني، عن الضحاك بن فيروز، عن أبيه، قال: أسلمت وعندي امرأتان أختان، فأمرني النبي أن أطلق أحداهما (٨). ثم رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن لهيعة، وأخرجه أبو داود والترمذي أيضًا من حديث [يزيد بن أبي حبيب، كلاهما عن أبي وهب الجَيْشاني، قال الترمذي: واسمه ديلم بن] (٩) الهوشع. عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه به، وفي لفظ للترمذي: فقال النبي : "اختر أيتهما شئت"، ثم قال: [الترمذي: هذا حديث حسن (١٠). وقد رواه ابن ماجه أيضًا] (١١) بإسناد آخر فقال: حدثنا أبو


(١) أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج به (المصنف ٦/ ٢٨٠ رقم ١٠٨٣٧)، وسنده مرسل.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٣) ذكره كلهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٤) كذا في الأصل، وفي (ح) و (حم) و (مح): "يحكيه".
(٥) والزيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٦) حديث صحيح تقدم في بداية تفسير آية ٢٣ من هذه السورة.
(٧) والزيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٨) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٣٢)، وسنده حسن إذ توبع ابن لهيعة كما سيأتي في الرواية التالية.
(٩) والزيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(١٠) سنن أبي داود، الطلاق، باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان (ح ٢٢٤٣)، وسنن الترمذي، النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان (ح ١١٢٩).
(١١) والزيادة من (ح) و (حم) و (مح).