للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر (١).

قلت: وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير مَن سبَّ الصحابة، وهو رواية عن مالك بن أنس (٢). وقال محمد بن سيرين: ما أظن أحدًا ينتقص أبا بكر وعمر وهو يحب رسول الله ، رواه الترمذي (٣).

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حَدَّثَنَا يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عبد الله بن عياش (٤) قال زيد بن أسلم في قول الله ﷿: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ من الكبائر: الشرك بالله، والكفر بآيات الله ورسله، والسحر، وقتل الأولاد، ومن دعى للّه ولدًا أو صاحبة، ومثل ذلك من الأعمال والقول الذي لا يصلح معه عمل. وأما كل ذنب يصلح معه دين، ويقبل معه عمل، فإن الله يغفر السيئات بالحسنات (٥). وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا بشر بن معاذ، حَدَّثَنَا يزيد، حَدَّثَنَا سعيد، عن قتادة ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ … ﴾ الآية: إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر وذكر لنا أن النَّبِيّ قال: "اجتنبوا الكبائر، وسددوا، وأبشروا" (٦).

وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس، وعن جابر مرفوعًا: "شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي"، ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف، إلا ما رواه عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله : "شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي" فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفردًا به من هذا الوجه عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح (٧)، وفي الصحيح شاهد لمعناه وهو قوله بعد ذكر الشفاعة: "أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا ولكنها للخاطئين [المتلوثين] (٨) " (٩).

وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة، فمن قائل: هي ما عليه حد في الشرع، ومنهم من قال: هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنة، وقيل غير ذلك. قال أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي في كتابه الشرح الكبير الشهير في كتاب الشهادات منه: ثم اختلف الصحابة ، فمن بعدهم في الكبائر وفي الفرق بينها وبين الصغائر، وللأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه:


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح إلى مغيرة.
(٢) وقد سرد الذهبي أحاديث كثيرة في ذلك (الكبائر ص ٢٦٠ - ٢٦٤).
(٣) سنن الترمذي، المناقب، باب في مناقب عمر بن الخطاب (ح ٣٦٨٥).
(٤) في الأصل: "عبد الله بن عباس" وهو نسبة إلى الجد.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده عبد الله بن عياش بن عباس القتباني: صدوق يغلط. (التقريب ١/ ٤٣٩).
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، والسند إلى قتادة حسن لكنه مرسل.
(٧) سنن الترمذي، صفة القيامة (ح ٢٤٣٥)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ١٩٨٣).
(٨) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "المذنبين".
(٩) أخرجه ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري (السنن، الزهد، باب ذكر الشفاعة ح ٤٣١١)، وصحح إسناده البوصيري (مصباح الزجاجة ٣/ ٣٢٠)، وجود إسناده المنذري (الترغيب ٤/ ٤٤٨)، وقال الهيثمي: ورواه أحمد والطبراني، ورجال الطبراني رجال الصحيح (المجمع ١٠/ ٣٨١)، وقد رواه الإمام أحمد في المسند (ح ٥٤٥٢) وصححه أحمد شاكر.