للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(أحدهما): أنها المعصية الموجبة للحد.

(والثاني): أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة، وهذا أكثر ما يوجد لهم، وهو إلى الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر.

(والثالث): قال إمام الحرمين في الإرشاد وغيره: كل جريمة تنبئ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، فهي مبطلة للعدالة.

(والرابع): ذكر القاضي أبو سعيد الهروي أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه وكل معصية توجب في جنسها حدًا من قتل أو غيره، وترك كل فريضة مأمور بها على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين، هذا ما ذكروه على سبيل الضبط، ثم قال: وفصل القاضي الروياني فقال: الكبائر سبع: قتل النفس بغير الحق، والزنا، واللواطة، وشرب الخمر، والسرقة، وأخذ المال غصبًا، والقذف، وزاد في الشامل على السبع المذكورة: شهادة الزور، وأضاف إليها صاحب العدة: أكل الربا والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها بلا عذر، وضرب المسلم بلا حق، والكذب على رسول الله عمدًا، وسب الصحابة، وكتمان الشهادة بلا عذر، وأخذ الرشوة، والقيادة بين الرجال والنساء، والسعاية عند السلطان، ومنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلمه، وإحراق الحيوان بالنار، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر الله، ويقال: الوقيعة في أهل العلم، وحملة القرآن، ومما يعد من الكبائر: الظهار، وأكل لحم الخنزير والميتة إلا عن ضرورة، ثم قال الرافعي : وللتوقف مجال في بعض هذه الخصال. قلت: وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي (١) الذي بلغ نحوًا من سبعين كبيرة، وإذا قيل: إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار بخصوصها، كما قال ابن عَبَّاس (٢) وغيره: وما تُتُبّع ذلك، اجتمع منه شيء كثير، وإذا قيل: كل ما نهى الله عنه فكثير جدًّا، واللّه أعلم.

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٣٢)﴾.

قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث، فأنزل الله: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (٣). ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن


(١) كتابه الكبائر طبع عدة طبعات.
(٢) تقدم برواية ابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٣٢٢)، وأخرجه الترمذي (السنن، تفسير سورة النساء ح ٣٠٢٢)، والطبري وابن أبي حاتم والحاكم كلهم من طريق سفيان به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦)، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري، والألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٤١٩)، وقد تكلم في سماع مجاهد من أم سلمة وقد عاصرها فترة طويلة في أربعين سنة.