للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث جبير بن مطعم وغيره من الصحابة: "لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"، وهذا نص في الرد على من ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم، كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ورواية عن أحمد بن حنبل، والصحيح قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ أي: ورثة من قراباته من أبويه وأقربيه، هم يرثونه دون سائر الناس، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" (١)؛ أي: اقسموا الميراث على أصحاب الفروض الذين ذكرهم الله في آياتي الفرائض، فما بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة. وقوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي: قبل نزول هذه الآية فآتوهم نصيبهم؛ أي: من الميراث، فأيما حلف عقد بعد ذلك فلا تأثير له، وقد قيل: إن هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل وحكم الحلف الماضي أيضًا، فلا توارث به، كما قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبو سعيد الأشج، حَدَّثَنَا أبو أُسامة، حَدَّثَنَا إدريس الأودي، أخبرني طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾، قال: من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث (٢). ورواه ابن جرير عن أبي كريب، عن أبي أُسامة (٣)، وكذا روي عن مجاهد وأبي مالك نحو ذلك (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله تعالى ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٦] يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، وذلك هو المعروف (٥)، وهكذا نص غير واحد من السلف أنها منسوخة بقوله: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا﴾.

وقال سعيد بن جبير: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ أي: من الميراث، قال: وعاقد أبو بكر مولى فورثه، رواه ابن جرير (٦). وقال الزهري، عن ابن المسيب: نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالًا غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصية، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة، وأبى الله أن يكون للمدعين ميراث ممن ادعاهم وتبناهم، ولكن جعل لهم نصيبًا من الوصية، رواه ابن جرير (٧)، وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله:


(١) صحيح البخاري، الفرائض، باب ميراث الولد من أبيه وأمه (ح ٦٧٣٢)، وصحيح مسلم، الفرائض، باب ألحقوا الفرائض بأهلها (ح ١٦١٥).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ولفظه؛ وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ولفظه؛ وسنده صحيح.
(٤) قول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق منصور بن المعتمر عنه، وقول أبي مالك أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق حصين عنه.
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت عن ابن أبي طلحة به.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي بشر جعفر بن إياس عنه، لكن سعيد بن جبير لم يدرك أبا بكر (جامع التحصيل ص ١٨٢).
(٧) أخرجه الطبري من طريق الزهري به وسنده مرسل.