للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَآتُوهُمْ﴾ أي: من النصرة والنصيحة والمعونة، لا أن المراد ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ من الميراث حتَّى تكون الآية منسوخة، ولا أن ذلك كان حكمًا ثم نسخ بل إنما دلت الآية على الوفاء بالحلف المعقود على النصرة والنصيحة فقط، فهي [محكمة] (١) لا منسوخة، وهذا الذي قاله: فيه نظر، فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث كما حكاه غير واحد من السلف، وكما قال ابن عَبَّاس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه حتَّى نسخ ذلك، فكيف يقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة (٢)؛ واللّه أعلم.

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)﴾.

يقول تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ أي: الرجل قيم على المرأة؛ أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت، ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله : "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة" (٣) رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء وغير ذلك، ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها، كما قال الله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨].

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله (٤)، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك (٥).

وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي تشكو أن زوجها [لطمها] (٦)، فقال رسول الله : "القصاص"، فأنزل الله : ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، فرجعت بغير قصاص، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عنه (٧)، وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة وابن جريج والسدي، أورد ذلك كله ابن جرير، وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال: حَدَّثَنَا أحمد بن علي النسائي، حَدَّثَنَا محمد بن هبة الله الهاشمي، حَدَّثَنَا محمد بن محمد [الأشعث، حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، قال: حَدَّثَنَا أبي عن جدي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه] (٨)،


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "محله" وهو تصحيف.
(٢) أجاب الأستاذ أحمد شاكر عن هذا الاعتراض على الطبري في تفسير الطبري ٨/ ٢٨٩.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (المغازي، باب كتاب النَّبِيّ إلى كسرى وقيصر ح ٤٤٢٠).
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت عن علي بن أبي طلحة به.
(٥) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٦) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "لظلمها" وهو تصحيف.
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن الحسن لكنه مرسل.
(٨) ما بين معقوفين سقط في الأصل، واستدرك من (حم) و (مح).