للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبرنا ابن وهب، وأخبرني عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: اختصم رجلان إلى رسول الله فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله : "نعم"، انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله على هذا. فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فردنا إليك: فقال: أكذاك؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما. فخرج إليها مشتملًا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فأتى إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، قتل عمر والله صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله : "ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن" فأنزل الله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)﴾، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فأنزل ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٦٦] الآية (١)، وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف.

(طريق أخرى) قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره: حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عتبة بن ضمرة، حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضي له: قد اختصمنا إلى النبي ، فقضى لي، فقال أبو بكر: أنتما على ما قضى به رسول الله ، فأبى صاحبه أن يرضى فقال: نأتي عمر بن الخطاب، فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي ، فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب فقال كذلك، فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، فأنزل: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ … ﴾ إلى آخر الآية (٢).

﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (٧٠)﴾.

يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه، لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه بما لم يكن أو كان، فكيف كان يكون، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾.

قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثني إسحاق، حدثنا أبو الأزهر، عن إسماعيل، عن أبي


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وسنده معضل لأن أبا الأسود لم يلق أحدًا من الصحابة فهو تابع تابعي.
(٢) سنده مرسل لأن ضمرة تابعي.