للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ قال مجاهد وغير واحد: نزلت في المنافقين (١).

وقال مقاتل بن حيان: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ أي: ليتخلفن عن الجهاد (٢). ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه، ويبطئ غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أُبي بن سلول - قبحه الله - يفعل، يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جريج وابن جرير (٣)، ولهذا قال تعالى إخبارًا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ أي: قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ أي: إذ لم أحضر معهم وقعة القتال يعد ذلك من نعم الله عليه، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل.

﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: نصر وظفر وغنيمة ﴿لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ أي: كأنه ليس من أهل دينكم ﴿يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أي: بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه. وهو أكبر قصده وغاية مراده.

ثم قال تعالى: [﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ أي: المؤمن النافر] (٤) ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ أي: يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا، وما ذلك إلا لكفرهم وعدم إيمانهم، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أي: كل من قاتل في سبيل الله سواء قتل أو غلب وسلب فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل، كما ثبت في الصحيحين: وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة" (٥).

﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)﴾.

يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله، وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من المقام بها، ولهذا قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ يعني: مكة، كقوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، ثم وصفها بقوله: ﴿الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ أي: سخر لنا من عندك وليًا وناصرًا، قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل.
(٣) أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو سنيد: ضعيف.
(٤) ما بين معقوفين زيادة من (مح).
(٥) صحيح البخاري، فرض الخمس، باب قول النبي : "أحلت لكم الغنائم" (ح ٣١٢٣)، وصحيح مسلم، الإمارة، باب فضل الجهاد (ح ١٨٧٦).