للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن خاف أسباب المنايا يلقها … ولو رام أسباب السماء بسلّم (١)

ثم قيل: المشيَّدة هي المشيدة كما قال: وقصر مشيد، وقيل: بل بينهما فرق، وهو أن المشيدة بالتشديد هي المطولة، وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهو الجص، وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم - ههنا - حكاية مطولة عن مجاهد، أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار، فخرج فإذا هو برجل واقف على الباب، فقال: ما ولدت المرأة؟ فقال: جارية، فقال: أما إنها ستزني بمائة رجل ثم يتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فكرّ راجعًا، فبعج بطن الجارية بسكين فشقه ثم ذهب هاربًا، وظن أنها قد ماتت، فخاطت أمها بطنها فبرئت وشبت وترعرعت ونشأت أحسن امرأة ببلدتها، فذهب ذاك الأجير ما ذهب ودخل البحور فاقتنى أموالًا جزيلة، ثم رجع إلى بلده وأراد التزوج، فقال لعجوز: أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة، فقالت: ليس ههنا أحسن من فلانة، فقال: اخطبيها علي، فذهبت إليها فأجابت، فدخل بها فأعجبته إعجابًا شديدًا، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه، فأخبرها خبره وما كان من أمره في الجارية، فقالت: أنا هي وأرته مكان السكين، فتحقق ذلك، فقال: لئن كنت إياها فلقد أخبرني باثنتين لا بد منهما:

(إحداهما) أنك قد زنيت بمائة رجل، فقالت: لقد كان شيء من ذلك ولكن لا أدري ما عددهم فقال: هم مائة.

(والثاني) أنك تموتين بالعنكبوت فاتخذ لها قصرًا منيعًا شاهقًا ليحرزها من ذلك، فبينما هم يومًا فإذا بالعنكبوت في السقف فأراها، فقالت: أهذه هي التي تحذرها علي، والله لا يقتلها إلا أنا، فأنزلوها من السقف، فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها، فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها واسودت رجلها، فكان في ذلك أجلها، فماتت (٢).

ونذكر ههنا قصة صاحب الحضر وهو الساطرون لما احتال عليه [سابور] (٣) حتى حصره فيه وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين، وقالت العرب في ذلك أشعارًا منها:

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ … لة تجبى إليه والخابور

شاده مرمرًا وجلله كلسًا … فللطير في ذراه وكور

لم تهبه أيدي المنون فباد الـ … ملك عنه فبابه مهجور

ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللهم اجمع أمة محمد ثم تمثل بقول الشاعر:

أرى الموت لا يبقى عزيزًا ولم يدع … لعاد ملاذًا في البلاد ومربعًا

يبيت أهل الحصن والحصن مغلق … ويأتي الجبال في شماريخها معًا

[قال ابن هشام: وكان كسرى سابور ذو الأكتاف قتل الساطرون ملك الحضر، وقال ابن هشام: إن الذي قتل صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك أول ملوك بني ساسان، وأذل


(١) ديوان زهير ص ٣٠.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم كلاهما من طريق أبي همام عيسى بن حميد الراسبي عن كثير أبي الفضل عن مجاهد، وأبو همام ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه (الجرح والتعديل ٦/ ٢٧٤)، والقصة فيها غرابة كيف قتلها بذلك السبب، وكيف تزوجها وعرف أنها وقعت في ذلك المنكر.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "سابر" وهو تصحيف.