للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ أي: من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك، كما قال تعالى عن قوم فرعون: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] وكما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج: ١١]، وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهرًا وهم كارهون له في نفس الأمر، ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى اتباعهم النبي . وقال السدي: وإن تصبهم حسنة، قال: والحسنة الخصب، تنتج مواشيهم وخيولهم وأنعامهم، ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان، قالوا: ﴿هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ والسيئة الجدب والضرر في أموالهم، تشاءموا بمحمد وقالوا: ﴿هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ يقولون: بتركنا ديننا واتباعنا محمدًا أصابنا هذا البلاء، فأنزل الله ﷿: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ (١).

وقوله: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي: الجميع بقضاء الله وقدره، وهو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، أي: الحسنة والسيئة (٢). وكذا قال الحسن البصري.

ثم قال تعالى منكرًا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب، وقلة فهم وعلم وكثرة جهل وظلم: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾.

ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.

قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا السكن بن سعيد، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا إسماعيل بن حماد، عن مقاتل بن حيان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كنا جلوسًا عند رسول الله ، فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس وقد ارتفعت أصواتهما، فجلس أبو بكر قريبًا من النبي ، وجلس عمر قريبًا من أبي بكر، فقال رسول الله : "لم ارتفعت أصواتكما؟ " فقال رجل: يا رسول الله، قال أبو بكر: يا رسول الله الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا، فقال رسول الله : "فما قلت يا عمر؟ " فقال: قلت: الحسنات والسيئات من الله فقال رسول الله : "إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل، فقال مكيائيل مقالتك يا أبا بكر، وقال جبريل مقاتلك يا عمر" فقال: "نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض، فتحاكما إلى إسرائيل فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله". ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال: "احفظا قضائي بينكما، لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس" (٣).

قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس بن تيمية: هذا حديث موضوع (٤) مختلق باتفاق أهل المعرفة.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق رجل مبهم عن السدي وسنده ضعيف بسبب الإبهام والإرسال.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت عن علي بن أبي طلحة به.
(٣) أخرجه البزار بسنده ومتنه كما في مختصر زوائد مسند البزار، وقال الحافظ ابن حجر: هذا خبر منكر وفي الإسناد ضعف (ح ١٥٩٧).
(٤) وكذلك جعله ابن الجوزي في الموضوعات (١/ ٢٧٣).