للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧] أي: محكمه ومتشابهه حق، فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا، ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين.

قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم، حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسًا ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله على باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله مغضبًا قد احمرّ وجهه يرميهم بالتراب ويقول: "مهلًا يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا، إنما نزل يصدق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" (١). وهكذا رواه أيضًا عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خرج رسول الله ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال لهم: "ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم" قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده (٢)، ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هند به نحوه (٣).

وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني، قال: كتب إليَّ [عبد الله] (٤) بن رباح يحدث عن عبد الله بن عمرو، قال: هجرت إلى رسول الله يومًا، فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان في آية، فارتفعت أصواتهما، فقال: "إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب" (٥). ورواه مسلم والنسائي من حديث حماد بن زيد به (٦).

وقوله: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة. وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص، حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع" (٧). وكذا رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه عن محمد بن الحسين بن إشكاب، عن


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ح ٦٧٠٢)، وسنده حسن.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٧٨)، وسنده حسن.
(٣) السنن، المقدمة، باب في القدر (ح ٨٥)، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة ١/ ٥٨)، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجه ح ٦٩).
(٤) زيادة من (حم) و (مح) والتخريج.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٩٢)، وسنده صحيح.
(٦) صحيح مسلم، العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن (ح ٢٦٦٦)، والسنن الكبرى للنسائي، كتاب فضائل القرآن (ح ٨٠٩٥).
(٧) صحيح مسلم، المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (ح ٥).