للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علي بن حفص عن شعبة مسندًا، ورواه مسلم أيضًا من حديث معاذ بن هشام العنبري وعبد الرحمن بن مهدي، وأخرجه أبو داود أيضًا من حديث حفص بن عمرو النمري، ثلاثتهم عن شعبة، عن خبيب، عن حفص بن عاصم به، مرسلًا (١).

وفي الصحيحين، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله ، نهى عن قيل وقال (٢)؛ أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين.

وفي سنن أبي داود أن رسول الله قال: "بئس مطية الرجل زعموا" (٣).

وفي الصحيح: "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" (٤).

ولنذكر ههنا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن رسول الله ، طلق نساءه، فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك، فلم يصبر حتى استأذن على النبي ، فاستفهمه: أطلقت نساءك؟ فقال: "لا" فقمت: الله أكبر … وذكر الحديث بطوله (٥).

وعند مسلم فقلت: أطلقتهن؟ فقال: "لا". فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي، لم يطلق رسول الله نساءه، ونزلت هذه الآية ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر (٦). ومعنى يستنبطونه؛ أي: يستخرجونه من معادنه، يقال: استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها.

وقوله: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني المؤمنون (٧).

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ يعني: كلكم (٨).

واستشهد من نصر هذا القول بقول الطِّرمَّاح بن حكيم في مدح يزيد بن المهلب:

اشمَّ كثير يدي النوال … قليل المثالب والقادحة (٩)

يعني: لا مثالب له ولا قادحة فيه.


(١) المصدر السابق وسنن أبي داود، الأدب، باب التشديد في الكذب (ح ٤٩٩٢).
(٢) صحيح البخاري، الزكاة، باب قول الله تعالى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] (ح ١٤٧٧)، وصحيح مسلم، الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة (ح ٥٩٣).
(٣) السنن، الأدب، باب قول الرجل: زعموا (ح ٤٩٧٢)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود و (ح ٤١٥٨).
(٤) صحيح مسلم، المقدمة ص ٩.
(٥) صحيح البخاري، العلم، باب التناوب في العلم (ح ٨٩)، وصحيح مسلم، الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء (ح ١٤٧٩).
(٦) المصدر السابق.
(٧) أخرجه الطبرى وابن أبي حاتم بسند ثابت عن ابن أبي طلحة به.
(٨) أخرجه عبد الرزاق بسنده ولفظه، وسنده صحيح.
(٩) ديوان الطرماح ص ٨٣.