للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هانئ، حدثنا جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، عن النبي قال: "من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".

وقال الوليد: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عمير بن هانئ، عن جنادة زاد: "من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" (١)، وكذا رواه مسلم عن داود بن رشيد، عن الوليد، عن ابن جابر به (٢)، ومن وجه آخر عن الأوزاعي به (٣).

فقوله في الآية والحديث: "وروح منه"، كقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)[الجاثية: ١٣] أي: من خلقه ومن عنده وليست من للتبعيض كما تقوله النصارى - عليهم لعائن الله المتتابعه - بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي: ورسول منه (٤)، وقال غيره: ومحبة منه (٥)، والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ﴾ [هود: ٦٤] وفي قوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحج: ٢٦] وكما ورد (٦) في الحديث الصحيح: "فأدخل على ربي في داره" أضافها إليها إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد.

وقوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ أي: فصدقوا بأنّ الله واحد أحد، لا ولد له ولا صاحبة، واعلموا وتيقنوا بأنّ عيسى عبد الله ورسوله، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾ أي: لا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وهذه الآية كالتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [المائدة: ٧٣] وكما قال في آخر السورة المذكورة: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ … ﴾ الآية [المائدة: ١١٦]، وقال في أولها: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)[المائدة]. فالنصارى عليهم [لعائن] (٧) الله من جهلهم ليس لهم ضابط، ولا لكفرهم حد، بل أقوالهم وضلالهم منتشر، فمنهم من يعتقده إلهًا، ومنهم من يعتقده شريكًا، ومنهم من يعتقده ولدًا، وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة، وأقوال غير مؤتلفة. ولقد أحسن بعض المتكلمين حيث قال: لو اجتمع عشرة من النصارى لافترقوا على أحد عشر قولًا.


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء: ١٧١] ح ٣٤٣٥).
(٢) صحيح مسلم، الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت (ح ٢٨).
(٣) المصدر السابق بعد (ح ٢٨).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم معلقًا.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق شاذ بن يحيى عن يزيد بن هارون، وسنده حسن.
(٦) كذا في الأصل، وفي (مح): "روي" وما في الأصل أفصح.
(٧) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "لعنة".