للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي صحيح البخاري أيضًا عن هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فسيتابعني، فسأل ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال: ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ٥٦]، أقضي فيها بما قضى النبي النصف للبنت، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم (١).

وقوله: ﴿وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ﴾ أي: والأخ يرث جميع مالها إذا ماتت كلالة، وليس لها ولد؛ أي: ولا والد، لأنها لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئًا، فإن فرض أن معه من له فرض صرف إليه فرضه كزوج أو أخ من أم، وصرف الباقي إلى الأخ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر" (٢).

وقوله: ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ أي: فإن كان لمن يموت كلالة أختان، فرض لهما الثلثان وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما، ومن ههنا أخذ الجماعة حكم البنتين كما استفيد حكم الأخوات من البنات في قوله: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١١].

وقوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ هذا حكم العصبات من البنين وبني البنين والإخوة إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم، أعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وقوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أي: يفرض لكم فرائضه، ويحد لكم حدوده، ويوضح لكم شرائعه.

وقوله: ﴿أَنْ تَضِلُّوا﴾ أي: لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي: هو عالم بعواقب الأمور ومصالحها وما فيها من الخير لعباده، وما يستحقه كل واحد من القرابات بحسب قربه من المتوفى.

وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، أنبأنا ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: كانوا في مسير، ورأس راحلة حذيفة عند ردف راحلة رسول الله ، ورأس راحلة عمر عند ردف راحلة حذيفة، قال: ونزلت ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ فلقَّاها رسولُ الله حذيفةَ، فلقّاها حذيفةُ عمرَ، فلما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة فقال: والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله ، فلقيتكها كما لقانيها رسول الله ، والله لا أزيدك عليها شيئًا أبدًا، قال: فكان عمر يقول: اللهم إن كنت بينتها له، فإنها لم تبين لي، كذا رواه ابن جرير (٣)، ورواه أيضًا عن الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين كذلك بنحوه (٤)، وهو منقطع بين ابن سيرين وحذيفة.

وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده: حدثنا يوسف بن حماد المعني


(١) أخرجه البخاري من طريق أبي قيس عن هُذيل به (الصحيح، الفرائض، باب ميراث ابنة ابن مع ابنة ح ٦٧٣٦).
(٢) تقدم عزوه في الآية ٣٣ من هذه السورة.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب الانقطاع بين محمد بن سيرين وحذيفة ، ومتنه فيه نكارة في قول حذيفة لعمر: والله إنك لأحمق …
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده كسابقه.