للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضار أمسك عليك فكل" قلت: وإن أكل؟ قال: "نعم" (١).

وروى عبد الملك بن حبيب: حدثنا أسد بن موسى عن ابن أبي زائدة، عن الشعبي، عن عدي بمثله (٢).

فهذه آثار دالة على أنه يغتفر، وإن أكل منه الكلب، وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه، كما تقدم عمن حكيناه عنهم، وقد توسط آخرون فقالوا: إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم، وللعلة التي أشار إليها النبي : "فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه" وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل منه لجوعه، فإنه لا يؤثر في التحريم وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني. وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح.

وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه "النهاية" أن لو فصل مفصل هذا التفصيل وقد حقق الله أمنيته، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم (٣).

وقال آخرون قولًا رابعًا في المسألة وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عدي، وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل.

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل فكل، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد وإن تعلم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل (٤). وكذا قال إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان (٥)، وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد، حدثنا المحاربي، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة، فما يحل لنا منها؟ قال: "يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ثم قال ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك " قلت: وإن قتل؟ قال: "وإن قتل ما لم يأكل" قلت: يا رسول الله، وإن خالطت كلابنا كلابًا غيرها؟ قال: "فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك". قال: قلت: إنا قوم نرمي فما يحل لنا؟ قال: "ما ذكرت اسم الله عليه وخزقت فكل" (٦). فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب أن لا يأكل، ولم يشترط ذلك في البزاة، فدل على التفرقة بينهما في الحكم، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ أي: عند إرساله كما قال النبي


(١) في سنده سماك بن حرب لم يسمع من عَدي، ولكنه توبع في الرواية التالية الصحيحة فيكون سنده حسنًا لغيره.
(٢) أخرجه البخاري من طريق زكريا بن أبي زائدة به (الصحيح، الذبائح والصيد، باب التسمية على الصيد ح ٥٤٧٥).
(٣) في الأصل: بياض مقدار نصف سطر، وفي (مح) بياض مقدار سطر.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفيه إبراهيم النخعي لم يسمع من ابن عباس.
(٥) أخرج الطبري عنهم ثلاثتهم بأسانيد صحاح عنهم.
(٦) في سنده مجالد وهو ابن سعيد الهمداني، ليس بالقوي (التقريب ص ٥٢١).