للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام أن يتزوج محصنة، فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين، الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب (١). وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)[النور]، ولهذا قال تعالى ههنا ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)﴾.

قال كثيرون من السلف في قوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ يعني: وأنتم محدثون، وقال آخرون: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، وكلاهما قريب. وقال آخرون: بل المعنى أعم من ذلك، فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، ولكن هو في حق المحدث واجب، وفي حق المتطهر ندب، وقد قيل: إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجبًا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان النبي يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله، إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله. قال: "إني عمدًا فعلته يا عمر" (٢). وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، ووقع في سنن ابن ماجه عن سفيان، عن محارب بن دثار بدل علقمة بن مرثد، كلاهما عن سليمان بن بريدة به، وقال الترمذي: حسن صحيح (٣).

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عباد بن موسى، أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي، حدثنا الفضل بن المبشر قال: رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد، فإذا بال أو أحدث، توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين، فقلت: أبا عبد الله، أشيء تصنعه برأيك؟ قال: بل رأيت النبي يصنعه، فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله يصنعه (٤).

وكذا رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن توبة، عن زياد البكائي به (٥).


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن الحسن لم يسمع من عمر .
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٣٥٨)، وسنده صحيح.
(٣) صحيح مسلم، الطهارة، باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد (ح ٢٧٧)، وسنن الترمذي، الطهارة، باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد (ح ١٧٢).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ضعفه البوصيري بسبب الفضل بن مبشر (مصباح الزجاجة ١/ ٢٠٢)، ويشهد له سابقه.
(٥) سنن ابن ماجه، الطهارة، باب الوضوء لكل صلاة … (ح ٥١١)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٤١٣)، ولعله صححه بالشاهد المتقدم.