للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه (١). وفي حديث [عبد خير] (٢) عن علي في صفة وضوء رسول الله نحو هذا (٣)، وروى أبو داود عن معاوية والمقداد بن معديكرب في صفة وضوء رسول الله مثله (٤)، ففي هذه الأحاديث دلالة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميع الرأس، كما هو مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل لا سيما على قول من زعم أنها خرجت مخرج البيان لما أجمل في القرآن.

وقد ذهب الحنفية إلى وجوب مسح ربع الرأس، وهو مقدار الناصية، وذهب أصحابنا إلى أنه إنما يجب ما يطلق عليه اسم مسح ولا يقدر ذلك بحد، بل لو مسح بعض شعرة من رأسه أجزأه، واحتج الفريقان بحديث المغيرة بن شعبة قال: تخلف النبي فتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: هل معك ماء؟ فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة، فأخرج يديه من تحت الجبة، وألقى الجبة على منكبيه، فغسل ذراعيه ومسح بناصيته، وعلى العمامة وعلى خفيه، وذكر باقي الحديث وهو في صحيح مسلم (٥) وغيره، فقال لهم أصحاب الإمام أحمد: إنما اقتصر على مسح الناصية لأنه كمل مسح بقية الرأس على العمامة، ونحن نقول بذلك وأنه يقع عن الموقع، كما وردت بذلك أحاديث كثيرة وأنه كان يمسح على العمامة وعلى الخفين، فهذا أولى، وليس لكم فيه دلالة على جواز الاقتصار على مسح الناصية أو بعض الرأس من غير تكميل على العمامة، والله أعلم.

ثم اختلفوا في أنه هل يستحب تكرار مسح الرأس ثلاثًا، كما هو المشهور من مذهب الشافعي، أو يستحب مسحة واحدة كما هو مذهب أحمد بن حنبل ومن تابعه على قولين:

فقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران بن أبان، قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثًا، فغسلهما ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا، ثم اليسرى ثلاثًا مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه" (٦) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من طريق الزهري به نحو هذا (٧).


(١) صحيح البخاري، الوضوء، باب مسح الرأس كله (ح ١٨٥)، وصحيح مسلم، الطهارة، باب في وضوء النبي (ح ٢٣٥).
(٢) كذا في (حم) و (مح) وسنن أبي داود، وفي الأصل: "عبد حسين" وهو تصحيف.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في (المسند ١/ ١١٠).
(٤) أخرجه أبو داود (السنن، الطهارة، صفة وضوء النبي ح ١٢٤)، وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود ح ١١٥).
(٥) صحيح مسلم، الطهارة، باب المسح على الناصية والعمامة (ح ٢٧٤).
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه (المصنف رقم ١٣٩)، وسنده صحيح.
(٧) صحيح البخاري، الصيام، باب السواك الرطب واليابس للصائم (ح ١٩٣٤)، وصحيح مسلم، الطهارة، باب صفة الوضوء (ح ٢٢٦).