للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سنن أبي داود من رواية عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عثمان في صفة الوضوء: ومسح برأسه مرة واحدة (١)، وكذا من رواية عبد خير عن علي مثله (٢). واحتج من استحب تكرار مسح الرأس بعموم الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عثمان : أن رسول الله توضأ ثلاثًا ثلاثًا (٣).

وقال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا الضحاك بن مخلد، حدثنا عبد الرحمن بن وردان، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، قال فيه: ثم مسح رأسه ثلاثًا، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثم قال: رأيت رسول الله توضأ هكذا، وقال: "من توضأ دون هذا كفاه" (٤) تفرد به أبو داود. ثم قال: وأحاديث عثمان في الصحاح تدل على أنه مسح الرأس مرة واحدة.

قوله: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ قرئ وأرجلكم بالنصب عطفًا على فاغسلوا وجوهكم وأيديكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو سلمة، حدثنا وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأها وأرجلكم، يقول: رجعت إلى الغسل (٥).

وروي عن عبد الله بن مسعود وعروة وعطاء وعكرمة والحسن ومجاهد وإبراهيم والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان والزهري وإبراهيم التيمي نحو ذلك (٦). وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل، كما قاله السلف.

ومن ههنا ذهب من ذهب إلى وجوب الترتيب في الوضوء كما هو مذهب الجمهور خلافًا لأبي حنيفة حيث لم يشترط الترتيب، بل لو غسل قدميه، ثم مسح رأسه، وغسل يديه، ثم وجهه، أجزأه ذلك، لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء، والواو لا تدل على الترتيب، وقد سلك الجمهور في الجواب عن هذا البحث طرقًا، فمنهم من قال: الآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء عند القيام إلى الصلاة، لأنه مأمور به بفاء التعقيب وهي مقتضية للترتيب، ولم يقل أحد من الناس بوجوب غسل الوجه أولًا، ثم لا يجب الترتيب بعده، بل القائل اثنان:

أحدهما: بوجوب الترتيب كما هو واقع في الآية.

والآخر يقول: لا يجب الترتيب مطلقًا، والآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء، فوجب الترتيب فيما بعده بالإجماع حيث لا فارق.


(١) السنن، الطهارة، باب صفة وضوء النبي (ح ١٠٨) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٩٩).
(٢) (٣) تقدم تخريجه في تفسير هذه الآية.
(٤) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الطهارة، باب صفة وضوء النبي ح ١٠٧)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٩٨).
(٥) سنده صحيح.
(٦) قول ابن مسعود أخرجه الطبري بسند حسن من طريق زر عنه، وقول عروة أخرجه الطحاوي بسند حسن من طريق هشام بن عروة عن أبيه (شرح معاني الآثار ١/ ٤٠)، وقول عطاء أخرجه الطحاوي بسند حسن من طريق عبد الملك العرزمي عنه المصنف ١/ ٢٠، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.