للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بركة لهم (١).

وقوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ أي: فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر، بل أباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم، ورحمة بكم وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه، وكما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير.

وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي: لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة، وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الآية الكريمة، كما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله قائمًا يحدث الناس، فأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلًا عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة" قال: قلت: ما أجود هذا، فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود منها، فنظرت فإذا عمر فقال: إني قد رأيتك جئت آنفًا قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء" لفظ مسلم (٢).

وقال مالك، عن نهشل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرج من وجهه، كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب" رواه مسلم عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن مالك به (٣).

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كعب بن مرة قال: قال رسول الله : "ما من رجل يتوضأ فيغسل يديه أو ذراعيه، إلا خرجت خطاياه منهما، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه، فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه" (٤) هذا لفظه.

وقد رواه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن منصور، عن سالم، عن مرة بن كعب أو كعب بن مرة السلمي، عن النبي قال: "وإذا توضأ العبد فغسل يديه خرجت خطاياه من بين يديه، وإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه، وإذا غسل ذراعيه خرجت خطاياه من ذراعيه، وإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه" قال شعبة: ولم يذكر مسح الرأس (٥)، وهذا إسناد صحيح.


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] ح ٤٦٧).
(٢) صحيح مسلم، الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء (ح ٢٣٤).
(٣) صحيح مسلم، الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء (ح ٢٤٤).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح قريب من سند الإمام أحمد الذي صححه الحافظ ابن كثير كما يلي.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٣٤)، وصححه الحافظ ابن كثير وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (المجمع ١/ ٢٢٤).