للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوضوء هما الناتئان، وهما مجمع مفصل الساق والقدم، هذا لفظه، فعند الأئمة : في كل قدم كعبان، كما هو المعروف عند الناس، وكما دلت عليه السنة، ففي الصحيحين من طريق حمران عن عثمان أنه توضأ فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين، واليسرى مثل ذلك (١).

وروى البخاري تعليقًا مجزومًا به (٢) وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي القاسم الحسين بن الحارث الجدلي، عن النعمان بن بشير قال: أقبل علينا رسول الله بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم - ثلاثًا - والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" قال: فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، ومنكبه بمنكبه، لفظ ابن خزيمة (٣)، فليس يمكن أن يلزق كعبه بكعب صاحبه، إلا والمراد به العظم الناتئ في الساق حتى يحاذي كعب الآخر، فدل ذلك على ما ذكرناه من أنهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم كما هو مذهب أهل السنة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن موسى، أخبرنا شريك، عن يحيى بن الحارث التيمي يعني الجابر، قال: نظرت في قتلى أصحاب زيد (٤)، فوجدت الكعب فوق ظهر القدم (٥). وهذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم، [تنكيلًا] (٦) بهم في مخالفتهم الحق وإصرارهم عليه.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير آية النساء، فلا حاجة بنا إلى إعادته لئلا يطول الكلام، وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك، لكن البخاري روى ههنا حديثًا خاصًّا بهذه الآية الكريمة فقال: حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه، عن عائشة قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة، فأناخ رسول الله ونزل، فثنى رأسه في حجري راقدًا، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: حبست الناس في قلادة، فتمنيت الموت لمكان رسول الله مني، وقد أوجعني، ثم إن النبي استيقظ، وحضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ الآية (٧)، فقال أسيد بن الحضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا


(١) تقدم في تفسير هذه الآية عند ذكر الخلاف في استحباب مسح الرأس ثلاثًا.
(٢) أخرجه البخاري موصولًا أيضًا مختصرًا بنحوه من حديث النعمان بن بشير (الصحيح، الأذان، باب تسوية الصفوف ح ٧١٧).
(٣) سنن أبي داود، الصلاة، باب تسوية الصفوف (ح ٦٦٢)، وصحيح ابن خزيمة (ح ١٦٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٦١٧).
(٤) أي زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
(٥) في سنده إسماعيل بن موسى تفرد عن شريك بأحاديث وهو صدوق يخطئ رمي بالرفض (ميزان الاعتدال ١/ ١٥١، والتقريب ١/ ٧٥)، وفي سنده أيضًا شريك وهو ابن عبد الله القاضي فيه مقال. ويحيى الجابر: لين الحديث كما في التقريب.
(٦) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "شكلًا" وهو تصحيف.
(٧) كذا في صحيح البخاري، وفي النسخ: هذه الآية.