للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي أوس قال: رأيت رسول الله أتى سباطة قوم، فبال وتوضأ ومسح على نعليه وقدميه (١).

وقد رواه ابن جرير من طريق شعبة ومن طريق هشيم، ثم قال: وهذا محمول على أنه توضأ كذلك وهو غير محدث، إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسوله متنافية ومتعارضة، وقد صح عنه الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهى إليه وبلغه (٢). ولما كان القرآن آمرًا بغسل الرجلين كما في قراءة النصب، وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليه، توهم بعض السلف أن هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفين، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب، ولكن لم يصح إسناده، ثم الثابت عنه خلافه، وليس كما زعموه، فإنه قد ثبت أن النبي مسح على الخفين بعد نزول هذه الآية الكريمة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد، عن جرير بن عبد الله البجلي قال: أنا أسلمت بعد نزول المائدة، وأنا رأيت رسول الله يمسح بعدما أسلمت (٣)، تفرد به أحمد. وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن همام قال: بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، قال الأعمش: قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، لفظ مسلم (٤).

وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله مشروعية المسح على الخفين قولًا منه وفعلًا، كما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير مع ما يحتاج إلى ذكره هناك من تأقيت المسح أو عدمه، أو التفصيل فيه، كما هو مبسوط في موضعه.

وقد خالفت الروافض في ذلك بلا مستند بل بجهل وضلال، مع أنه ثابت في صحيح مسلم من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (٥)، كما ثبت في الصحيحين عنه عن النبي النهي عن نكاح المتعة (٦) وهم يستبيحونها، وكذلك هذه الآية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله على وفق ما دلت هذه الآية الكريمة، وهم مخالفون لذلك كله وليس لهم دليل صحيح في نفس الأمر، ولله الحمد، وهكذا خالفوا الأئمة والسلف في الكعبين اللذين في القدمين فعندهم أنهما في ظهر القدم فعندهم في كل رجل كعب، وعند الجمهور أن الكعبين هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.

قال الربيع: قال الشافعي: لم أعلم مخالفًا في أن الكعبين اللذين ذكرها الله في كتابه في


(١) المصدر السابق.
(٢) أخرجه الطبري من الطريقين مع التعليق.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٣٦٣)، والحديث متفق عليه كما يلي:
(٤) صحيح البخاري، الصلاة، باب الصلاة في الخِفاف (ح ٣٨٧)، وصحيح مسلم، الطهارة، باب المسح على الخفين (ح ٢٧٢).
(٥) صحيح مسلم، الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين (ح ٢٧٦).
(٦) صحيح البخاري، المغازي، باب غزوة خيبر (ح ٤٢١٦)، وصحيح مسلم، النكاح، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ (ح ١٤٠٧).