للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسعى وتقول: ابني ابني، وسعت فأخذته فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار. قال: فَخَفَّضَهُم النبي فقال: "لا والله ما يلقي حبيبه في النار" (١) تفرد به أحمد.

﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ أي: لكم أسوة أمثالكم من بني آدم، وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: هو فعال لما يريد، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه، ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي: المرجع والمآب إليه، فيحكم في عباده بما يشاء، وهو العادل الذي لا يجور.

وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: وأتى رسول الله نعمان بن [آضاء] (٢) وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه، وكلمهم رسول الله ودعاهم إلى الله، وحذرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد، نحن والله أبناء الله وأحباؤه، كقول النصارى، فأنزل الله فيهم ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ … ﴾ إلى آخر الآية، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير (٣). ورويا أيضًا من طريق أسباط عن السدي في قول الله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ أما قولهم: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ﴾، فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد، فيدخلهم النار، فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل، فأخرجوهم فذلك قولهم لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات (٤).

﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩)﴾.

يقول تعالى مخاطبًا أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنه قد أرسل إليهم رسوله محمدًا خاتم النبيين، الذي لا نبي بعده ولا رسول، بل هو المعقب لجميعهم، ولهذا قال: على فترة من الرسل؛ أي: بعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى ابن مريم، وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة كم هي؟

فقال أبو عثمان النهدي وقتادة في رواية عنه: كانت ستمائة سنة. ورواه البخاري عن سلمان الفارسي (٥).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٠٤)، وسنده صحيح ثلاثي أخرجه الحاكم من طريق حُميد به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٥٨) وذكر الهيثمي أن رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠/ ٣٨٦).
(٢) كذا في (حم) و (مح) وتفسير الطبري، وفي الأصل: "الصا" وهو تصحيف.
(٣) أخرجه الطبري والبيهقي من طريق ابن إسحاق به (دلائل النبوة ٢/ ٥٣٥)، وفيه تصريح ابن إسحاق بالسماع، وسنده حسن تقدم شرحه في مقدمة التفسير الصحيح.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط به وتتمته: وأما النصارى فإن فريقًا منهم قال للمسيح: ابن الله.
(٥) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول سلمان أخرجه ابن عساكر (تاريخ دمشق ٤٧/ ٤٨٥).