للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن قتادة: خمسمائة وستون سنة (١).

وقال معمر، عن بعض أصحابه: خمسمائة وأربعون سنة (٢).

وقال الضحاك: أربعمائة وبضع وثلاثون سنة (٣). [وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى عن الشعبي أنه قال: ومن رفع المسيح إلى هجرة النبي تسعمائة وثلاثة وثلاثون سنة] (٤) (٥) والمشهور هو القول الأول، وهو أنها ستمائة سنة. ومنهم من يقول: ستمائة وعشرون سنة، ولا منافاة بينهما، فإن القائل الأول أراد ستمائة سنة شمسية، والآخر أراد قمرية، وبين كل مائة سنة شمسية وبين القمرية نحو من ثلاث سنين، ولهذا قال تعالى في قصة أهل الكهف: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥)[الكهف] أي: قمرية لتكميل ثلاثمائة الشمسية التي كانت معلومة لأهل الكتاب، وكانت الفترة بين عيسى بن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل وبين محمد خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إن أولى الناس بابن مريم لأنا ليس بيني وبينه نبي" (٦).

وهذا فيه ردّ على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي، يقال له خالد بن سنان، كما حكاه القضاعي وغيره، والمقصود أن الله بعث محمدًا على فترة من الرسل، وطموس من السبل، وتغير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم النعم، والحاجة إليه أمر عمم، فإن الفساد كان قد عم جميع البلاد، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد إلا قليلًا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين، من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى والصابئين.

كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن مطرف، عن عياض بن حماد المجاشعي أن النبي خطب ذات يوم، فقال في خطبته "وإن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا، كل مال نحلته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فأضلتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، ثم إن الله ﷿ نظر إلى أهل الأرض فمقتهم: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من بني إسرائيل، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرأه نائمًا ويقظانَ، ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشًا فقلت: يا رب إذن [يثلَغوا] (٧) (٨) رأسي فيدعوه خبزة، فقال: استخرجهم كما استخرجوك، [واغزُهم


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف.
(٣) أخرجه الطبري بسند فيه إبهام شيخ الطبري.
(٤) تاريخ ابن عساكر ٤٧/ ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٥) ما بين معقوفين زيادة من (حم) و (مح).
(٦) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ … ﴾ [مريم: ١٦] (ح ٣٤٤٢)، وصحيح مسلم، الفضائل، باب فضائل عيسى (ح ٢٣٦٥).
(٧) أي: يشدخوه ويشجّوه.
(٨) كذا في (حم) و (مح) وصحيح مسلم، وفي الأصل: "تبلغي" وهو تحريف.