للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم، فتبعهم فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة، حتى التقط الاثني عشر كلهم، فجعلهم في كمه مع الفاكهة، وذهب بهم إلى ملكهم فنثرهم بين يديه، فقال لهم الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم (١). وفي هذا الإسناد نظر.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لما نزل موسى وقومه، بعث منهم اثني عشر رجلًا، وهم النقباء الذين ذكرهم الله، فبعثهم ليأتوه بخبرهم، فساروا فلقيهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائه، فحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه، فقالوا من أنتم؟ قالوا: نحن قوم موسى، بعثنا نأتيه بخبركم، فأعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل، فقالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه، فقولوا لهم: هذا قدر فاكهتهم، فرجعوا إلى موسى فأخبروه، بما رأوا، فلما أمرهم موسى ، بالدخول عليهم وقتالهم، قالوا: يا موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون. رواه ابن أبي حاتم (٢).

ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن الهاد، حدثني يحيى بن عبد الرحمن، قال: رأيت أنس بن مالك، أخذ عصاه فذرع فيها بشيء لا أدري كم ذرع، ثم قاس بها في الأرض خمسين أو خمسًا وخمسين، ثم قال: هكذا طول العماليق (٣)، وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا أخبارًا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين، وأن منهم عوج بن عنق، ابن بنت آدم ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعًا وثلث ذراع - تحرير الحساب - (٤)، وهذا شيء يستحيى من ذكره، ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين، أن رسول الله قال: "إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن" (٥) ثم ذكروا أن هذا الرجل كان كافرًا، وأنه كان ولد زنية، وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته، وهذا كذب وافتراء، فإن الله تعالى ذكر أن نوحًا دعا على أهل الأرض من الكافرين، فقال: ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] وقال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠)[الشعراء] وقال تعالى: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣] وإذا كان ابن نوح الكافر، غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟ هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع. ثم في وجود رجل يقال له: عوج بن عنق نظر، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ أي: فلما نكل بنو إسرائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول الله موسى ، حرضهم رجلان لله عليهما نعمة عظيمة، وهما ممن


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وقول ابن كثير في هذا الإسناد نظر لعله بسبب أبي صعد البقال وهو سعيد بن المرزبان ضعيف مدلس (التقريب ص ٢٤١)، وهذه الرواية من الإسرائيليات الغريبة.
(٢) سنده ثابت ولكنه أيضًا من الإسرائيليات.
(٣) في سنده يحيى بن أيوب: صدوق ربما أخطأ، والرواية أيضًا من الإسرائيليات.
(٤) كذا في الأصل وكان الحافظ ابن كثير يشير إلى أنه يحتاج إلى تحرير الحساب لأنه أنكر ذلك بالدليل الصحيح.
(٥) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته (ح ٣٣٢٦)، وصحيح مسلم، الجنة وصفة نعيمها (ح ٢٨٤١).