للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخاف أمر الله ويخشى عقابه، وقرأ بعضهم ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ أي: ممن لهم مهابة وموضع من الناس، ويقال: إنهما يوشع بن نون، وكالب (١) بن يوقنا. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة، وعطية، والسدي، والربيع بن أنس (٢)، وغير واحد من السلف والخلف فقالا: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: إن توكلتم على الله واتبعتم أمره، ووافقتم رسوله، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم، ودخلتم البلد التي كتبها الله لكم، فلم ينفع ذاك فيهم شيئًا

﴿قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤)﴾ وهذا نكول منهم عن الجهاد، ومخالفة لرسولهم، وتخلف عن مقاتلة الأعداء، ويقال: إنهم لما نكلوا عن الجهاد، وعزموا على الانصراف والرجوع إلى مصر، سجد موسى وهارون ، قدام ملأ من بني إسرائيل، إعظامًا لما هموا به، وشَقَّ يوشع بن نون وكالب بن يوقنا، ثيابهما، ولاما قومهما على ذلك، فيقال: إنهم رجموهما، وجرى أمر عظيم، وخطر جليل، وما أحسن ما أجاب به الصحابة يوم بدر رسول الله حين استشارهم في قتال النفير، الذين جاؤوا لمنع العير، الذي كان مع أبي سفيان، فلما فات اقتناص العير، واقترب منهم النفير، وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف في العدة، والبيض [واليلَبَ] (٣). فتكلم أبو بكر فأحسن، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين، ورسول الله يقول: "أشيروا علي أيها المسلمون" وما يقول ذلك، إلا ليستعلم ما عند الأنصار، لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذٍ، فقال سعد بن معاذ: كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله، فسرّ رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك (٤).

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا حُميد، عن أنس أن رسول الله لما سار إلى بدر استشار المسلمين، فأشار عليه عمر، ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله قالوا: إذًا لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك، ورواه الامام أحمد عن عبيدة بن حُميد عن حميد الطويل، عن أنس به (٥)، ورواه النسائي عن محمد بن


(١) كذا في النسخ الثلاث وفي بعض روايات الطبري التالية: "كلاب".
(٢) قول ابن عباس وعكرمة أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي سعد عن عكرمة عن ابن عباس ويتقوى بالآثار التالية، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عطية أخرجه الطبري بسند فيه سفيان بن وكيع وهو ضعيف، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول الربيع أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عنه.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "السلب"، واليلب: الدروع من الجلود.
(٤) ينظر السيرة لابن هشام ١/ ٦١٥، وستأتي شواهده كما يلي.
(٥) أخرجه الإمام أحمد عن عبيدة به وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط البخاري (المسند ٢٠/ ٢٨١ ح ١٢٩٥٤).